إفلاس بنك سليكون فالي في أمريكا يؤكد مجددًا فساد قواعد النظام المصرفي الرأسمالي
بقلم الأستاذ الدكتور/ فياض عبد المنعم
يعد إفلاس بنك سليكون فالي الأمريكي في 10 مارس 2023م، أمرًا يؤكد مجددًا على فساد قواعد النظام المصرفي الرأسمالي؛ حيث يعيد ذلك إلى الأذهان الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، والتي بدأت شرارتها أيضًا من البنوك، وبالتحديد بسبب التعثر في سداد أقساط القروض العقارية.
ولتوضيح الأمر ببساطة نقول: إن نظام البنوك الرأسمالي الغربي والذي يسود في العالم ومنه البلاد الإسلامية؛ حيث تعمل البنوك على جذب الودائع المالية من المتعاملين بسعر فائدة محدد مقابل الأجل. مع الالتزام برد هذه الودائع إلى أصحابها عند الطلب أو عند انتهاء أجلها. في مقابل ذلك تقوم البنوك بتوظيف هذه الودائع في الإقراض بسعر فائدة على الأجل. وتمنع كل التشريعات المصرفية في العالم بأسره على البنوك ممارسة الاتجار في العقار والمنقول. كما أنها تحد إلى مدى بعيد من النشاط الاستثماري للبنوك (الإسهام في تملك المشروعات والشركات)، وتقيده بنسبة لا تذكر من حجم الودائع لدى البنوك. بدعوى أن البنوك تلتزم برد الودائع لأصحابها عند الطلب. وهذا لا يناسبه قيام البنوك بالاستثمار في المشروعات أو ولوج السوق للاتجار في المنقول والعقار.
وهذا الوضع غير الصحيح يجعل البنوك معرضة بشكل دائم لخطر التعثر والإفلاس، لماذا؟ لأن البنوك عندما تمنح القروض والائتمان بفائدة ثابتة على آجال معينة، فتتجمد ديونها في هذه الصورة لفترة زمنية هي آجال القروض، فإذا قامت السلطات النقدية (البنك المركزي) بتغيير سعر الفائدة كما حصل ويحصل هذه الأيام؛ مثل رفع الفائدة على الدولار من نحو أقل من نصف في المائة منذ أقل من سنة في السنة إلى نحو 5% الآن.
وهذا معناه أن البنوك سوف تدفع 5% على الودائع في حين أنها تحصل فقط على نحو نصف في المائة أو 1% على القروض والائتمان الذي قامت بمنحه في الفترة الماضية، والذي سيستمر لفترة مستقبلية. وهذا يكبد البنوك خسائر فادحة. كذلك فإن رفع أسعار الفائدة يترتب عليه (وفقًا لقواعد السوق المصرفي الرأسمالي القائم على المداينات) انخفاض القيمة السوقية لديون المتعاملين للبنوك. بمعنى أن البنك له دين بمبلغ (100) مليون على متعامل بسعر فائدة 1% بينما سعر الفائدة الجديد صار 5%. فإن البنك على استعداد لبيع هذا الدين بمبلغ أقل من (100). مثلاً نجده يقبل بيعه ب (80) أو ب (70) حيث سيأخذ هذا الثمن ليقرضه مجددًا بسعر 5% أو أكثر بدلاً من تجميده في دين مقابل فائدة 1%. من هنا تكون البنوك معرضة دائمًا لمخاطر مستمرة للإفلاس. وليس لدى النظام المصرفي الرأسمالي الحالي وسائل لعلاج هذه المعضلة؛ لأن ذلك معناه التخلي عن القواعد المؤسسة للنظام المصرفي الرأسمالي (وإن شئت قلت بدون تجاوز: المصرفي الربوي بقيامه بإقراض واقتراض الأموال بفائدة على الأجل).
بينما نجد النظام المصرفي القائم على قواعد وضوابط العقود المالية في الشريعة في منجى من تلك المخاطر السابقة، لماذا؟ لأنه سوف يأخذ الأموال من المودعين وفقًا لقواعد عقد المضاربة الشرعية. ويوظفها في مجالات النشاط الاقتصادي المتنوعة وفق عقود المعاملات المالية الشرعية؛ مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة والسلم والاستصناع. وهي كما ترى صورًا متنوعة من العقود وليس صورة واحدة، أي القرض بفائدة كما في حالة البنك الرأسمالي. وما ينتج من ثمار هذا التوظيف يوزع على أصحاب الودائع وفقًا لقواعد توزيع الربح في المضاربة.
وهنا لا تنشأ المخاطر، لماذا؟ لأن ما يوزع من عوائد على أصحاب الودائع هو من ناتج ربح التوظيف للأموال. وهنا يترابط الادخار مع الاستثمار على قاعدة واحدة.
ونجد أنفسنا أمام تساؤل منطقي وهو: هل هناك مجال لتدقيق النظر الفقهي المدرك للواقع الحقيقي في معاملات البنوك الرأسمالية المعاصرة القائمة على الاتجار في الائتمان والديون على النحو الذي وضحته بعاليه؟ ومن ثم إصدار الحكم والفتوى الشرعية الواعية بهذا الواقع المصرفي على نحو سديد وعلمي.