مدى إمكانية الاستفادة من صيغ التمول الإسلامي في استثمار الأموال الوقفية

بقلم الأستاذ الدكتور/إبراهيم عبد الحليم عباده
أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية-جامعة اليرموك/ الأردن

لا بد من التأكيد على أهمية استثمار الأموال الوقفية والذي يعني: استثمار أصل الوقف عقارا كان أو منقولا، أو استثمار الريع الناتج عن استغلال الوقف، وهذا الاتجاه في تعريف استثمار أموال الوقف هو ما انتهى إليه منتدى قضايا الوقف؛ حيث أشار في القرارات والفتاوى المتعلقة باستثمار أموال الوقف إلى أن المقصود باستثمار أموال الوقف: تنمية الأموال الوقفية سواء كانت أصولا أم ريعا بمجالات استثمارية مباحة شرعاً(1)، ولا بد أن يكون أي استثمار ضمن ضوابط دقيقة يحسن بيانها في الآتي:
<خl>

  • أن يكون الاستثمار في وجه من الوجوه المباحة شرعا، فلا يجوز للناظر أو لهيئة الوقف إيداع أموال الوقف بقصد الحصول على الفوائد الربوية، أو الاستثمار في السندات الربوية، أو شراء أسهم لشركات أصل نشاطها حرام.
  • مراعاة شروط الواقفين فيما يقيدون به الناظر في مجال تثمير ممتلكات الأوقاف.
  • عدم المجازفة والمخاطرة في المشروعات ذات المخاطر العالية، والتنويع في المحفظة الاستثمارية للتقليل من المخاطر.
  • اختيار صيغ الاستثمار الملائمة لطبيعة الأوقاف بما يحقق مصالح الوقف، ويجنبه مخاطر ضياع حقوق المستفيدين. (2)
  • ويمكن أن يتخذ التمويل الإسلامي واحدا من الصيغ: كالمرابحة، والمشاركة والمضاربة والاستصناع، والإجارة، والمزارعة والمساقاة والمغارسة وغيرها من صور التمويل الإسلامية ويمكن للأموال الوقفية أن تستغل بما يتناسب مع طبيعتها في إحدى الصيغ التالية(3):
    الفرع الأول: المضاربة والشركة: وتجمع هذه الصيغة بين المضاربة والشركة، وتتمثل في اتفاق جهتين على إنشاء شركة بينهما على أن تقدم كل جهة منهما مبلغا معينا من المال، على أن تضارب إحدى هذه الجهات بالمالين معا والربح بينهما بحصة شائعة مع مراعاة الجهد الذي قدمه المضارب(4).
    ويمكن للأوقاف الاستفادة من هذه الصيغة بأن تتفق مع مؤسسة التمويل الإسلامي على إنشاء شركة بينهما يكون نصيب الأوقاف فيها قيمة الأعيان الموقوفة المنوي استغلالها بإقامة المشاريع عليها، ونصيب المؤسسة التمويلية ما سيقدمه من تمويل لازم لإقامة المشاريع على الاعيان الوقفية، على أن تقوم المؤسسة بدور الجهة التي تتولى إدارة واستغلال المالين معا كمضارب، والربح بينهما بحسب الحصة الشائعة التي يتفقان عليها مع مراعاة دور المضارب ونصيبه من الأرباح، وأن تتضمن هذه الصيغة وعدا من جانب المؤسسة ببيع حصته لجهة الوقف حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليها(5).
    الفرع الثاني: المشاركة المنتهية بالتمليك: والمشاركة تعني أن يشترك اثنان أو أكثر بحصة معينة في رأس مال يتجران به كلاهما والربح يوزع على حسب أموالهما أو على نسبة يتفق عليها عند العقد. وتختلف صيغ المشاركة المستخدمة في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وأنواعها باختلاف مدة كل منها وتقسم صيغ المشاركة إلى مشاركات قصيرة الأجل ومشاركات طويلة الأجل(6).
    وتستطيع المؤسسات المالية استثمار أموال الوقف بعدة صور من خلال صيغة المشاركة كأن تتم المشاركة بين أموال الوقف والمؤسسة في مشروع استثماري يعود بالربح للطرفين، كما ويستطيع المؤسسة استثمار أموال الوقف مع أمواله من خلال صيغة المشاركة المنتهية بالتمليك بحيث يشارك كل من المؤسسة التمويلية في أموال الوقف في مشروع استثماري ويتم الاتفاق على تناقص ملكيتها تدريجيا من خلال بيع حصتها لصالح الوقف تدريجيا وحتى تصبح ملكية المشروع بالكامل للوقف.
    والمشاركة المتناقصة لصالح الوقف تتم بأن تطرح إدارة الوقف مشروعًا ناجحًا (مصنعًا، أو عقارات أو نحو ذلك) على أحد المؤسسات المالية الإسلامية، حيث يتم بينهما المشاركة العادية كل بحسب ما قدمه، ثم يخرج المؤسسة تدريجياً من خلال بيع أسهمها أو حصصها في الزمن المتفق عليه بالمبالغ المتفق عليها، وقد يكون الخروج في الأخير بحيث يتم بيع نصيبه إلى إدارة الوقف مرة واحدة. ويمكن لإدارة الوقف أن تتقدم بأراضيها التجارية المرغوب فيها، ويدخل الآخر بتمويل المباني عليها، ثم يشترك الطرفان كل بحسب ما دفعه، أو قيم له وحينئذٍ يكون الريع بينهما حسب النسب المتفق عليها، ثم خلال الزمن المتفق عليه يقوم (الشريك) ببيع حصته إلى إدارة الوقف أقساطًا أو دفعة واحدة(7).ويكون الطرفان قد حققا أرباحا في هذه الحالة طوال مدة الشراكة واستفاد البنك من بيع حصته بالقيمة السوقية أو الحقيقة، وانتقلت ملكية الشركة للوقف خاصة بما يحقق المصلحة للجميع.
    الفرع الثالث: المزارعة والمساقاة: تمتلك الأوقاف أراضي بيضاء وأخرى مشجرة؛ فالأرض البيضاء يحكمها عقد المزارعة والمشجرة يحكمها عقد المساقاة إذا ما دفعها مالكها لمن يقوم باستثمارها وزراعتها ومتحملا لنفقاتها، ففي حالة الأرض البيضاء تسمح الأوقاف للمصرف الإسلامي بالإنفاق على الأرض الزراعية ودفع الأجرة لمن يعملون على زراعتها وبيع إنتاجها والربح يقسم بين صاحب الارض (الأوقاف) والمؤسسة مع مراعاة التكلفة التي أنفقتها المؤسسة عليها. وقد تسلم الأرض الموقوفة للموقوف عليهم ليزرعوها بأنفسهم ويتقاسمون الإنتاج الزراعي فيما بينهم، بحسب الاتفاق، وبحسب الحصص، وإما أن يدفعها الناظر أو المتولي لشخص آخر يزرعها، ويأخذ حصة متفقاً عليها من الإنتاج، ويتسلم الناظر أو المتولي حصة الوقف، ويوزعها على الموقوف عليهم، أو يبيع الإنتاج، ويوزع ثمنه على الموقوف عليهم بحسب شرط الواقف(8)، وقد يكون هذا العامل الذي يقوم على زراعتها من قبل المؤسسة المالية كما تقدم.
    أما في المساقاة فالأرض مشجرة بحاجة إلى رعاية وسقاية وقطاف وتسويق وكل ما يلزم الشجر من عناية وهنا يمكن أن يتقدم ناظر الوقف للمصرف ليستأجر أو يمول عملية الرعاية على جزء من نتاجها كما يتفق الطرفان.
    مع ضرورة أن تقدم المؤسسات المالية الإسلامية الكثير من التسهيلات والدعم لمثل هذه الصيغ التي تخدم المؤسسة الوقفية والموقوف عليهم وتستغل الأراضي العاطلة وتتحول إلى مورد مدر للدخل.
    الفرع الرابع: المرابحة: من بيوع الأمانة والتي يكون فيها البيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم(9)، وتقوم المؤسسات الإسلامية بالمرابحة للآمر بالشراء على نطاق واسع، ويمكن لإدارة الوقف اللجوء إلى هذه المؤسسات لشراء المواد والآلات اللازمة لها وذلك من خلال صيغة تمويل المرابحة للآمر بالشراء، حيث يلجأ نظار الأوقاف إلى صيغة المرابحة هذه، عندما تعجز موارد الوقف الخاصة تمويل جزء من عملية التنمية، حيث يطلب الناظر من المؤسسة المالية الإسلامية شراء المواد والآلات اللازمة لها ويعده بأن يشتريها منه – بعد استلامها من البائع الأول- بعقد شراء جديد، يوقع تنفيذا للوعد وذلك بعد أن تمتلك المؤسسة المواد والآلات. ويكون الثمن في هذا العقد الثاني مؤجلا أو مقسطا، ومجموعه أعلى من ثمن الشراء في العقد الأول بمقدار محدد يتفقان عليه(10).
    ويمكن للأوقاف شراء سيارات للأجرة بهذه الطريقة وتقديمها لمن يعمل عليها وليس لديه الضمانات الكافية التي تمكنه من التقدم بطلب شرائها من المؤسسة ويتم تسديد أقساطها لها من جزء من ريعها ومن ثم تصبح موردا للوقف بالإضافة لاستفادة العامل عليها.
    الفرع الخامس: الاستصناع:
    ويمكن للأوقاف الاستفادة من هذه الصيغة عندما تعاني من مشكلة عدم توفر السيولة النقدية؛ التي تحول بينها وبين استغلال الاملاك الوقفية، ويمكن الاستعانة بالمؤسسة المالية الإسلامية لتمويل استثمارات الاراضي على سبيل المثال بموجب عقد الاستصناع، بأن تتفق الاوقاف مع أحد المؤسسات الإسلامية بموجب هذا العقد على القيام بمشروع معين على أرض الوقف وتقدم الأوقاف للمصرف كافة المواصفات والمقاييس المطلوبة لإقامة هذا المشروع، ثم تقوم المؤسسة بالعمل الموكل إليه من خلال الأجهزة المتخصصة التابعة له أو بالاستعانة بغيره من الجهات المتخصصة للقيام بالعمل
    وبعد إتمام المشروع تستلمه الأوقاف بعد تأكدها من مطابقته للمواصفات والمقاييس والشروط المطلوبة، على أن تقوم بدفع ثمن المشروع للمصرف على شكل أقساط تحدد قيمتها ومواعيد استحقاقها بناء على الريع المتوقع لاستغلال هذا المشروع(11).

    (1) انظر: قرار رقم (140) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الخامسة عشرة 1425هـ.
    (2) العياشي فداد، استثمار أموال الوقف، بحث مقدم للدورة الخامسة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، 1424هـ، ص31.
    (3) انظر حول صيغ الاستثمار الوقفي وآلياته القديمة والحديثة: العياشي فداد، استثمار أموال الوقف، بحث مقدم للدورة الخامسة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، 1424هـ، ص31. وانظر: السبهاني، عبد الجبار، اقتصاديات الزكاة والوقف، ص199-209.
    (4) القضاة، زكريا محمد الفالح، السلم والمضاربة من عوامل التيسير في الشريعة الإسلامية، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 1984م، ص443.
    (5) السعد والعمري، المرجع السابق، ص91.
    (6) عريقات، حربي، وعقل سعيد، إدارة المصارف الإسلامية، دار وائل للنشر والتوزيع، ط2، 2012، ص 162وص164.
    (7) القرة داغي، علي ، استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة، ص11، http://www.riyadhalelm.com/researches/8/159_waqf_qorahdagi.doc
    (8) الزحيلي، محمد، ص 14.
    (9) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد، (المتوفي 587هـ)، بدائع الصنائع في ترتيب الصنائع، دار الكتب العلمية، ط2، 1406 هـ -1986م، ج5، ص222.
    (10) مرغاد، الخضر ومنصوري، كمال، التـمـويـل بـالـوقـف: بدائــل غير تقليدية مقترحـة لتمـويـل التنـمـية المحلـية، مداخلة مقدمة للملتقى الدولي حول: تمويل التنمية الاقتصادية جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2006.
    (11)السعد والعمري، ص96.

    Comments are disabled.