الذكاء الاصطناعي بين الفوائد الاقتصادية والمخاطر الأخلاقية
الدكتور/ عبد الناصر حمدان بيومي
لقد أخذ الذكاء الاصطناعي أبعادًا واسعة غير محدودة، وخصوصًا بعد الكشف عن الذكاء الصناعي التوليدي (Generative Artificial intelligence) في عام 2022م، حيث تحاكي نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي طريقة تفكير البشر، من خلال الاعتماد على الخوارزميات التي تتعلمها مع كل استخدام. وأصبحت الروبوت أو الآلة قادرة على اتخاذ قرارات بناء على ما لديها من معلومات، وبصورة مستقلة وقريبة من طريقة الإنسان في اتخاذ القرار، وبات معلومًا أن الأعوام التالية لعام 2022م، ستكون نقطة الانطلاق للنماذج التوليدية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي (Generative AI Models)؛ ومن أبرز هذه النماذج: تطبيق ChatGPT من شركة «Open AI»الذي تجاوز عدد مستخدميه أكثر من مئة مليون حول العالم… كل هذا أحدث اضطرابًا وقلقًا كبيرًا في العالم؛ مما قد يصل إليه الذكاء الاصطناعي، وثار التساؤل: هل يختلط الناس بالروبوتات في عصر التحول الرقمي؟ وهل يسيطر الذكاء الاصطناعي على كوكبنا؟
أولاً: مفهوم الذكاء الاصطناعي وأهميته:
الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence): هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. ومن أهم هذه الخصائص: القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة. (1)
كما أصبح الذكاء الاصطناعي يتعامل مع النماذج اللغوية البشرية ويتفاعل معها؛ مما سهل وصوله إلى المستخدم العادي من غير المبرمجين. والذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل الفرع الأكثر تقدمًا للذكاء الاصطناعي؛ الهادف لمحاكاة الذكاء البشري، من خلال تخليق معلومات جديدة من المعلومات المدخلة، فيصير لدى الروبوت معلومات أكثر مما تم إدخاله، ويمكنه اتخاذ قرارات لا يعرفها أو يتوقعها الإنسان.
وقد بُني الذكاء الاصطناعي التوليدي على التعلم العميق، وهو مجموعة فرعية من التعلم الآلي التي أظهرت أداءً متفوقًا بشكل ملحوظ على بعض مناهج التعلم الآلي التقليدية. ويستخدم التعلم العميق مزيجًا من الشبكات العصبية الاصطناعية متعددة الطبقات والتدريب المكثف للبيانات والحوسبة، المستوحى من أحدث فهمنا لسلوك الدماغ البشري. ولقد أصبح هذا الأسلوب فعالاً لدرجة أنه بدأ في تجاوز القدرات البشرية في العديد من المجالات، كالتعرف على الصور والكلام ومعالجة اللغة الطبيعية. ويواجه معظم الناس التعلم العميق كل يوم عند استعراض الإنترنت أو استخدام الهواتف المحمولة.
وأما أهمية الذكاء الاصطناعي: فعلى الرغم من أنه أحد أنواع الحاسوب، غير أنه يمتاز بقدرات خاصة تمكنه من القدرة على اتخاذ قرارات بناء على قراءة الواقع من حوله، ويمكنه محاكاة الإنسان، من خلال توليد محتوى، وإنشاء نصوص، وتلخيص محتوى، وكتابة مقالات أو أكواد برمجية بنفسه، أو إنتاج صور وحل خوارزميات، وتقديم حلول واقتراحات في مختلف القطاعات؛ كالصحة والاقتصاد والتعليم والإعلام، وشتى مجالات الحاسب الآلي، والمعلومات العامة.
ويستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات؛ كالهاتف الجوال، والبنوك الرقمية، والبطاقات الإلكترونية، والتجارة والتسويق الإلكتروني، والأمن، والنقل، والمجالات الطبية المختلفة، والتعليم، والترفيه، والصناعات المتنوعة، ووسائل التواصل المتعددة، وسائر البرامج الإلكترونية المساعدة…
ثانيًا: الفوائد الاقتصادية للذكاء الاصطناعي:
للذكاء الاصطناعي العديد من الفوائد الاقتصادية المهمة في تطوير وتنمية مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والتسويق الإلكتروني ونحوها. فقد أسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تمكين التكنولوجيا المتقدمة في صناعات متعددة؛ كالأدوية، وتصميم الرقائق، وأشباه الموصلات، والبرمجة الرقمية؛ مما يقلل من وقت دورة تطوير المنتج من أسابيع إلى ساعات.
وللذكاء الاصطناعي دور كبير في النواحي الطبية المتنوعة؛ كتشخيص الأمراض وسرعة اكتشاف الأدوية المختلفة؛ مما يقلل من التكاليف والجدول الزمني لاكتشاف الأدوية. وصارت له قدرات كبيرة على إجراء العلميات الجراحية المعقدة عن قُرْبٍ وعن بُعْد؛ مما يسهم في خلق مستقبل أكثر استدامة وفائدة للأفراد والمجتمعات.
ويمكن من خلال الذكاء الاصطناعي تطوير سائر المجالات التعليمية، وتحسين عملية التعليم، وتسهيل الوصول إلى المعرفة والعلوم باستخدام مهارات التعليم المعززة بالذكاء الاصطناعي، واستخدام برامجه في تطوير المعلمين والطلبة ومناهج التدريس ونحوها، فضلاً عن تطوير مخرجات العملية التعليمية بما يتناسب مع الاحتياجات الواقعية.
وقد ازداد تفاؤل “الشركات بالتقنية الجديدة في قطاعات مختلفة ومن ذلك: شركة “أوكتوبس إنرجي” المقدمة لخدمات الطاقة في المملكة المتحدة التي ذكرت أن 44% من البريد الإلكتروني لخدمة العملاء يتم الرد عليه من جانب الذكاء الاصطناعي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات “فريش وركس” إن المهام التي كانت تستغرق في المعتاد ثمانية إلى عشرة أسابيع يتم الانتهاء منها الآن في غضون أيام نتيجة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في سير العمل.
كما قالت شركة “كار ماكس” إنها استخدمت الذكاء الاصطناعي في تلخيص الآلاف من آراء العملاء ومساعدة المتسوقين على تحديد أي السيارات سيشترونها. وتشير المؤشرات إلى أننا سنشهد تسارعًا في وتيرة تطوير أشكال جديدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستكون قادرة على تنفيذ المزيد من المهام وزيادة مهاراتنا في مجالات عدة”. (2)
ثالثًا: المخاطر الأخلاقية للذكاء الصناعي:
الذكاء الاصطناعي لا يعدو كونه آلة تساعد الإنسان في إنجاز المهام بدقة وسرعة كبيرة، ومع ذلك فهناك العديد من المخاطر والسلبيات والمخاوف التي يثيرها الكشف عن الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2022م؛ تتعلق بجودة النتائج، وإساءة الاستعمال، والتزييف العميق وتضليل العدالة، وقضايا حقوق النشر والابتكار، والانحياز وقلة المصداقية، وإمكانية تعطيل نماذج الأعمال الحالية.
فمن أخطر سلبيات هذه التقنية: تعزيز الجريمة الإلكترونية من خلال التزييف العميق وتضليل العدالة المدعوم بالذكاء الاصطناعي؛ فضلاً عن إمكانية انتحاله لصفة أشخاص لشن هجمات إلكترونية.
ومنها كذلك: الروبوتات القاتلة، وذلك في الطائرة المسيرة المحملة بالأسلحة ذاتية التشغيل والمشفرة للقتل دون تدخل الإنسان.
وكذلك تقويض العملية التعليمية والبحث العلمي والنشر والتأليف؛ لأن الطلاب والباحثين والمؤلفين سيستخدمون أنظمة الذكاء الاصطناعي في كتابة واجباتهم وأبحاثهم ومؤلفاتهم، ما يقوض فكرة البحث والتعلم.
كما “أعرب الباحثون في مجال الأمن السيبراني عن قلقهم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسمح لجهات غير شرعية وحتى للحكومات بإنتاج المزيد من المعلومات المضللة وغير الدقيقة؛ لأنه يسهل كتابة الأخبار المزيفة مثلاً.
كما أنه من الصعب الثقة في المعلومات التي تقدمها أنظمة الذكاء دون معرفة مصدرها، فضلاً عن أن بعض البرامج تقتصر معلوماتها على سنة أو فترة بعينها. وكذلك السرقات والانتحال، من خلال تجاهل حقوق منشئي المحتوى والمؤلفين والمبتكرين والفنانين المسئولين عن إنتاج المحتوى الأصلي.
وقد واجهت التطبيقات الأولى للذكاء الاصطناعي مشكلات تتعلق بعدم الدقة والتحيز، فضلاً عن كونها عرضة لما يسمى بظاهرة “الهلوسة”، وهي ردود تبدو واقعية يروج لها الذكاء الاصطناعي بثقة”. (3)
كما يمكن للذكاء الاصطناعي إقامة الحروب بين الدول من خلال تزييف المستندات وفبركة الأدلة ونحوها من المخاطر.
وكذلك الهجمات الإلكترونية على الدول المتقدمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في سائر المجالات، وذلك من خلال شن هجمات إلكترونية تؤدي إلى تعطيل الأجهزة الإلكترونية ونحوها.
وكذلك الإحلال الوظيفي، حيث يقوم الروبوت بوظائف الملايين من البشر. فضلاً عن انتهاك خصوصية البشر، عن طريق تحليل أفكارهم، ومعرفة خصوصياهم. يضاف إلى ذلك إمكانية التلاعب بالمستخدم، واحتمالية فقد السيطرة على الروبوت.
وفي الختام: فإن الذكاء الاصطناعي في غاية الأهمية والفائدة للإنسان، لكن لابد من ضبط نماذجه بإدخال الجوانب والأبعاد الأخلاقية في برمجة وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وحوكمة استخدامها في الصناعات في إطار متفق عليه من قبل الحكومات والشركات؛ لضمان استدامة استخدامها من أجل خير البشرية، وتحقيق حياة مجتمعية أفضل.
يضاف إلى ذلك ضرورة اعتماد آلية للتغلب على التحيز والحفاظ على الحياد والشفافية وجودة البيانات والشمولية في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة. مع إلزام الدول والشركات المنتجة لآلات الذكاء الاصطناعي بذلك؛ من خلال تطوير تشريعات خاصة تحفظ تواكب المحاذير الأخلاقية فيما يخص الحقوق الفكرية ومنع الانتحال والجرائم الإلكترونية؛ لتقنين استخدامه بما فيه النفع، ومن أجل أن يحقق الذكاء الاصطناعي مصلحة الإنسان مع تلافي المخاطر والمخاوف السابقة.
فهل تراعي الدول والشركات الـمُصنِّعة هذه الأبعاد الأخلاقية؛ ليكون الذكاء الاصطناعي التوليدي وسيلة آمنة لدفع النمو الاقتصادي والابتكار؟ أم تتحول المخاوف والمخاطر السابقة إلى واقع مخيف مرعب تعاني منه البشرية لدرجة قد لا يتخيلها صُنّاع الذكاء الاصطناعي؟
(1) انظر: المعجم الموحد لمصطلحات تقانة (تكنولوجيا) المعلومات، د. ميلود حبيبي، ط المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: 12، معجم الحاسبات، ط3 مجمع اللغة العربية، القاهرة 1423هـ/2003م: 19.
(2) راجع موقع: https://dgtaverse.com/what-is-artificial-intelligence/?.
(3) راجع موقع: https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/.