دور الحج في تنشيط الاقتصاد وترسيخ أخلاقياته والقضاء على الفقر
بقلم الأستاذ الدكتور/ حسين أحمد عبد الغني سمرة
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم
لا تقتصر منافع الحج ولا مقاصده وآثاره على الجوانب التعبدية والنواحي الإيمانية فحسب، بل هو أيضًا موسم يحدث انتعاشًا اقتصاديًا في جميع القطاعات الاقتصادية، وهو موسم اقتصادي يضرب في جذور التاريخ منذ بنى الخليل عليه السلام البيت، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، فالحاجُّ والمعتمر اللذان يترددان على البيت حُجَّاجًا وعُمَّارًا يُحدثُون رَواجًا اقتصاديًا منقطع النظير في بلدانهم وفي البلد الحرام مما ينفقونه على هذه الفريضة.
ولا حصر لآثار الحج على القطاعات المختلفة الزراعي منها، والصناعي، والخدمي، حيث ترتبط هذه المراسم بطلب عريض يتوجه لخدمات المواصلات والانتقال، كما يتوجَّه إلى الغذاء، والملابس وسائر مستلزمات الحج والعمرة، ويتسبب ذلك في رواج في هذه القطاعات المختلفة. وأما ما يقدمه الحاج القارن والمتمتع هديًا إلى البيت،وكفارات المحظورات والأضاحي، فإنه يسهم في تنمية الثروة الحيوانية بين الدول الإسلامية، ويساعد على زيادة الثروة الحيوانية، وزيادة تبادلها والتجارة فيها.
ولا حاجة إلى التأكيد على حاجة الحجيج إلى أماكن الإقامة في الحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من مرافق الراحة والسكن، وبعض ذلك ليس موجودا في بلاد الحرمين مما يعني زيادة التبادل التجاري، إلى جانب الطلب على العمالة في تلك البلاد، وهذا مصداق قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].
وللحج والعمرة دور مهم في القضاء على الفقر، وذلك بسبب ما يُذبَح من الهدايا والأضاحي ومن كفارات ارتكاب محظورات الإحرام، ثم يوزَّع على الفقراء والمساكين والمحتاجين داخل الأماكن المقدسة وخارجها، قال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36].
وللحج آثار بارزةٌ في تعزيز الطلب على بعض المهن والحرف المهمة، فإن فريضة الحج والعمرة تحتاج إلى جميع الخبرات في كل المجالات الطبية، والعلمية، والمهنية، والهندسية، وكما تحتاج إلى العُمّال، والصُّناع، والتُّجار، وهذا يؤدِّي إلى تنمية العلاقات الاقتصادية بين المسلمين، وتبادُل الخِبْرات بينهم، كما يؤدِّي إلى علاج المشكلات الطبية ومشكلات الأمن الغذائي، ودراسة سبل تحقيق الأمن الغذائي للعالم الإسلامي.
أما أخلاقيات الحج والعمرة، والتي تُعزِّز من الالتزام والانضباط، فلها دور شديد البروز في الدعوة إلى تطبيق أخلاقيات الاقتصادي الإسلامي، في جميع المجالات والمعاملات على مستوى دول العالم الإسلامي من الدعوة إلى نبذ الربا، والاحتكار، والضرر، والتدليس، والغش، وأكل الأموال بالباطل، واجتناب التبذير والإٍسراف – في هذين المنسكين – في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والهدايا.
وهذه الخلاصة تقفنا على أهمية استغلال أخلاقيات الحج في ترسيخ قيام النظام الاقتصادي الإسلامي، وهذا أيضا بعض مظاهر حكمة الله تعالى، فهو سبحانه ما شرع عبادة من العبادات إلا ولها مقاصد إيمانية ومقاصد حياتية، ومن المقاصد الحياتية لفريضة الحج تنمية الجانب الاقتصادي في العالم الإسلامي.