العقود الشرعية: عقد العارية

الأستاذ الدكتور/فياض عبد المنعم

العارِيَّة هي إباحة الانتفاع بشيء مع بقاء عينه. وقد رغَّب القرآن الكريم في العارية التي يقصد بها التكافل والتعاون على البر؛ قال اللَّه تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} والماعون هو: الأشياء المعارة، مثل: الأواني وغيرها، كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «العارِيَّة مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم». والعارية مندوبة؛ لأنها من أعمال الإحسان والمعروف بين الناس. وقد تصبح واجبة إذا كان فيها إنقاذ نفس من الموت، وكان صاحبها مستغنيًا عنها. وقد تكون حرامًا إذا كانت للإعانة على معصية اللَّه كإعارة سلاح لمن يريد قتل النفس الإنسانية. وقد تكون مكروهة إذا كان فيها إعانة على مكروه.
وهذا الاختلاف في الحكم على العارية إنما يبين حكمة الشريعة ودورانها مع صيانة حياة الإنسان وتحقيق مصالح العباد، والتمييز في الحكم على أساس القصد من استعمال الأشياء والأموال؛ ما بين الواجب إذا تعينت كوسيلة لحفظ الحياة الإنسانية، أو مندوبة إذا كانت من البر والإحسان مع الخلق، كما تكون حرامًا إذا أفضت إلى مقصد حرام.
ومحل الإعارة هي الأموال القابلة للإعارة؛ أي: الأعيان القابلة للانتفاع بها مع بقاء عينها؛ أي: ما يعرف بالأصول الثابتة في العصر الحاضر، كالعقار والآلة والحلي والثوب…إلخ.
والعارية تظل مملوكة لصاحبها ولا تنتقل ملكيتها إلى المستعير؛ لأنها عارية للاستعمال، والمستعير إذا تعدى في استعمال العارية يضمن، كما لو حبس العارية بعد انقضاء مدة الإعارة أو بعد الطلب، وربما تجوز الإعارة بشرط الضمان وتسمى (عارية مضمونة)؛ فقد استعار صلى اللَّه عليه وسلم دروعًا من صفوان بن أمية، وقال له: «بل هي عارية مضمونة مؤداة».
وإذا استعار الرجل دابة لم يجز له استعمالها بأكثر من المعتاد عرفًا، ولم يجز له تأجيرها، وعند الإمام مالك: أن الرجل إذا استعمل العارية استعمالًا ينقصها عن الاستعمال المأذون فيه ضمن ما نقص فيها بالاستعمال. ونفقة العارية مثل الدابة؛ هي على المعير عند بعض الفقهاء؛ لأنها ملكه، وعند آخرين: هي على المستعير؛ لأن المعير صاحب معروف، ولا ينبغي أن يتحمل تكلفة مالية على معروفه.

Comments are disabled.