حول الكتاب:
تدور فكرة الكتاب حول دراسة الأوصاف السبعة التي ذكرها الفقهاء في تعليل الربا الذي في الأعيان والأثمان، فقد حصر الفقهاء الأربعة الأوصاف السبعة في الثمنية، والطعم، والاقتيات، والادخار، والوزن، والكيل، واتحاد الجنس، مع ملاحظة تركُّب العلة عند بعض منهم على ما يفيد الجدول الآتي:
فإذا نُظر إلى وصف “اتحاد الجنس” على أنه أقرب إلى الشروط منه إلى وصف العلة، أمكن إرجاع ما بقي من أوصاف إلى الثمنية أو كون هذه الأشياء ثمنا بوجه من الوجوه.
إن الكاتب يشيد بجهد الفقهاء في حصر هذه الأوصاف ولكنه يرى أن تقرير الفقهاء لهذه العلل لا يعني الوقوف بها عند ما يُفهم من ظاهرها، بل هناك معنى يستتر خلف هذه العلل يدل عليه ما علم في أصول الفقه باسم “تحقيق المناط” والنتيجة التي يخرج بها المؤلف “أن أئمة الفقه قد وضعوا أيدينا على سبع صفات ومن جهة التقسيم أصبح لدينا اقتناع بأن خمسة من هذه الأوصاف يمكن بالسبر والتحليل دمجها في وصف واحد بشكل مباشر، ذلك هو وصف الثمنية، كما نجد وصفا واحدًا من هذه الأوصاف مكمِّلا عاما في كل وصف وهو وصف اتحاد الجنس، بمعنى أنه لا ينال من قوة الأوصاف الخمسة كأغلبية في دلالتها على الاندماج في علة واحدة، ويبقى من جهة التقسيم الوصف الأخير من الأوصاف السبعة، وهو وصف “الطُّعم” الذي انفرد الشافعي بتقريره في الجديد مستقلا، لكن الشافعي نفسه حين ذكره في القديم ذكره مقرونا بوصفي الكيل والوزن … على أن القول باندماج هذه الأوصاف لا يعني إطلاقا من قريب أو بعيد إلغاء الأوصاف التي نقول بدمجها فذلك أمر غير وارد البتة لسببين:
أولهما: أنها أوصاف تمت بصلة إلى النصوص التوقيفية وهذا يجعل تنقيح المناط أمرا محصورا في نطاقها.
وثانيهما: أن الذين قاموا بإحصاء هذه الأوصاف أئمة وقمم وأعلام وهامات تستمد آراؤهم من مكانتها والثقة بها من رفيع أقدارهم، ولقد كان اجتهادهم موضع القبول من الأمة ممثلة في علمائها الذين وهبوا أعمارهم وحياتهم في خدمة علوم الدين في سائر العصور”. إن مراد المصنف أن يرد كل هذه العلل إلى وصف الثمنية فهو الوصف الأنسب، وتبقى على حالها باعتبارها دالة عليها.
وينتهى المؤلف بعد مناقشة كل علة من هذه العلل إلى أنها تؤول إلى علة “الثمنية”، وإنما اعتبر كل فقيه من الفقهاء هذه العلل بخصوصها رغبة في تثبيت المعيار الثمني عند تبادل كميتين من جنس واحد، فصنفوا الأجناس وأعلموها بما هو خاص بها، فكأن الأجناس عند اتحادها تقوم مقام الثمن بوجه ما وعندئذ يطلب فيها التساوي، والفقهاء يجتهدون في استخراج مناط تحريم الربا في هذه الأصناف، ومهما كان هذا الوصف فإنه يدل على اعتبار الثمنية في هذه الأشياء.
ثم ينتقل المؤلف في المحور الثاني إلى بيان صلة موقف الإسلام من تحريم الربا بوظيفة النقود، فيذكر بعض حكم تحريم الربا ومنها:
- منع الظلم
- الحث على العمل
- تقريب النفوس إلى البر والمعروف والصدقة والقرض الحسن.
أما دعائم تحريم الربا فهي:
- الدعامة الأخلاقية، فالربا ظاهرة قائمة على الجشع والطمع وتحريمه يحسم مادة هذا الطمع والجشع.
- الدعامة الاجتماعية، حيث إنه يقطع أواصر الأخوة والتكافل من المجتمع.
- الدعامة الاقتصادية، فهو تعطيل للقوى الإنتاجية عن المساهمة في النشاط الاقتصادي في المجتمع.
ثم ينتهي الكتاب بمجموعة من الأسئلة تلخِّص الإجابةُ عليها موقف الإسلام من الربا ومن النظم الربوية، فالإسلام لا يتفق والنظام الربوي في تصور ولا أساس ولا نتيجة، ثم إن مذهبية الإسلام في النظر إلى الاقتصاد والحياة تختلف بالكلية عن مذهبية النظم الربوية، فالله سبحانه خلق الإنسان واستخلفه في الأرض، ومكنه مما ادخر له في الأرض من أقوات وأرزاق ومن قوى وطاقات، وشرط عليه أن يقوم بالخلافة على منهج نبيه صلى الله عليه وسلم، وقيَّده في الانتفاع بالمال بخير المجتمع وشرط عليه ما يحقق التكافل، أما النظم الربوية فترى الإنسان سيدا على الكون حرا في سبل اكتساب المال وطرائق استخدامه، ولا ريب أن النظرتين على التضاد من بعضهما البعض.