الاقتصاد الأسود غير المشروع من منظور الاقتصاد الإسلامي

بقلم الدكتورة/ هيام سامي الزعبي
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية

يُشير الاقتصاد الأسود إلى الأنشطة الاقتصادية التي تتمُّ خارج الإطار القانوني والرسمي للدولة، بما في ذلك الأنشطة غير المشروعة مثل التهرُّب الضريبي، وغسيل الأموال، وتجارة المواد المحرَّمة، ويسمى اقتصاد الظل، والاقتصاد السري، والاقتصاد غير الرسمي.
وبالرغم من دور الاقتصاد الأسود في تأمين جزءٍ من الدخل للأفراد فإن له أثرًا سلبيًّا على الاقتصاد الوطني وعلى مسار التنمية المستدامة، كما أنه لا يتم احتساب أنشطته ضمن البيانات الرسمية للحكومة، وبالتالي فهو لا يُشكِّل جزءًا من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، كما أن أنشطته الاقتصادية قد تكون قانونية أو غير قانونية اعتمادًا على نوع المنتجات أو الخدمات المعنية.
وقد يعمل الاقتصاد الأسود ضمن القطاعات المكوِّنة للتجارة الدولية غير المشروعة، ويدخل في ذلك: (التزوير، والاتجار بالمخدرات، وقطع الأشجار المحظور، والتعدين المحظور، والصيد المحظور، والاتجار المحظور في الحياة البرية، وسرقة النفط الخام، والاتجار في الأسلحة الخفيفة، والاتجار في الأعضاء البشرية، والاتجار في الأصول الثقافية) وغيرها.
وقد يعمل كذلك في التجارة المشروعة، ولكن ضمن حيلٍ أخلاقية تتصل بهذه العمليات الشرعية، كما يحصل في التهرُّب الضريبي كما لو لم يتم تسجيل التعاملات المالية لتجنُّب احتساب الأرباح الحقيقية للشركة، أو إدخالها للدولة عَبْر التهريب من أجل تجنُّب دفع الرسوم الجمركية، أو حتى الغش والتلاعب بالمواصفات، ليحصل التاجر على ربح أعلى ويُضيِّعُ جزءًا من دخل الدولة متمثلًا في مقدار التهرب الضريبي أو الجمركي. وعلى الجملة يسلك هذا الاقتصاد عدة طريق ليصل إلى أغراضه وتتمثل هذه الطرق فيما يلي:

  1. التعامل فيما يحظره القانون؛ كالمخدرات والسلع المجرمة قانونًا لضررها المؤكد.
  2. المعالجات الضريبية غير السليمة التي تخفض من نسبة الضريبة بشكل لا يقره القانون.
  3. استخدام غسيل الأموال لإكساب الأموال شكلًا قانونيًا.

أسباب انتشار الاقتصاد الأسود:

هناك عدة أسباب وراء انتشار نمط الاقتصاد الأسود، فبعضها أسباب ودوافع تخص التجار والمستثمرين في هذه السوق، وبعضها أسباب ودوافع تخص المشترين.
أما الدوافع والأسباب التي تخص المستثمرين في هذا القطاع فهي:

  1. ضعف الرقابة والتشريعات: حيث يؤدي ضعف القوانين الاقتصادية وعدم فرض العقوبات الرادعة إلى تزايد الأنشطة غير الرسمية.
  2. البطالة والفقر: فحينما يجد البعض في الاقتصاد الأسود وسيلة لتحقيق دخل إضافي بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة فإنه لا يتردد في الدخول فيه.
  3. الرغبة في تعظيم الأرباح: يسعى البائعون من خلال الاقتصاد الأسود للحصول على أموال أكثر مما يمكنهم تحقيقه في ظل الأنشطة القانونية، وقد يعتبر البعض هذه الممارسات مصدرًا لكسب الهيبة وزيادة النفوذ والاحترام.

وأما الدوافع التي تخص المشترين فهي:

  1. توفير النفقات: حيث يعتبر كثير من الأفراد أن الاقتصاد الأسود هو الطريق الوحيد للحصول على سلعة أو خدمة غير قانونية، بسعر أقل وسرعة أكبر.
  2. اعتماد الاقتصاد الأسود على العملات المشفرة في عمليات الدفع، والتي يصعب تعقُّب أصحابها ومعرفتهم.
  3. العولمة الاقتصادية التي وفَّرت الأدوات والوسائل لتسهيل العديد من العمليات غير المشروعة.

آثار الاقتصاد الأسود على الاقتصاد والمجتمع:

على الرغم من المنفعة التي تحصل لكل من المشتري والمستثمر في هذه السوق، فإنه لا شك أن هذا القطاع غير الرسمي له أضرارٌ وآثارٌ كارثيةٌ على الاقتصاد القومي يتمثَّل أهمها فيما يلي:

  1. تراجع التنمية الاقتصادية: فالاقتصاد الأسود يحرِم الدولة من الإيرادات الضريبية والزكوية، مما يضعف القدرة على الإنفاق على التنمية.
  2. ارتفاع معدلات الفساد: حيث يشجّع الاقتصاد غير الرسمي على انتشار الفساد الإداري والمالي.
  3. تقويض العدالة الاقتصادية: حيث يشجِّع الاقتصاد الأسود على تحقيق أرباح بطرق غير مشروعة، مما يضرُّ بمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.
  4. إضعاف الثقة بين الدولة والمجتمع، وفي قرارات وأعمال المؤسسات الحكومية.

الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الأسود:

يرفض الاقتصاد الإسلامي ما يسمى بالاقتصاد الأسود باعتباره نشاطًا اقتصاديًّا يتم خارج حدود الشريعة ويضر بالمصلحة العامة، فالاقتصاد الإسلامي يرفض التهرب من الزكاة، والاتجار بالمحرمات، والكسب غير المشروع، وكلها أنشطة مرتبطة بالاقتصاد الأسود.
والإسلام يؤكِّد على مبدأ الشفافية والعدالة في المعاملات، ويحرِّم كل ما قد يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع ويُسهم في انتشار الفساد، وقد قرَّر الاقتصاد الإسلامي جُملةً من المبادئ والقيم والأحكام الشرعية التي تحول دون الغش والخداع، أو التهرُّب من الواجبات، ما يؤدِّي إلى الحدِّ من الاقتصاد الأسود، وبالتالي الإسهام في بناء اقتصادٍ قويٍّ ومستدامٍ يخدم المصلحة العامة ويلبي حاجات المجتمع، ومن جملة المبادئ المتقررة في الاقتصاد الإسلامي للتصدي لهذه الظاهرة:

  1. تعزيز قيم الالتزام بالشريعة الإسلامية، وعلى رأسها مفاهيم الالتزام بالأحكام الشريعة بعدم العمل في المحرمات، ومفاهيم الأخلاق الفاضلة؛ كالأمانة والشفافية.
  2. تطبيق نظام الزكاة بشكل فعّال: ويسهم ذلك بشكل واضح في القضاء على بعض دوافع الاقتصاد الأسود وعلى رأسها: الفقر.
  3. تعزيز الرقابة الذاتية: يشجِّع الاقتصاد الإسلامي على الرقابة الذاتية من خلال الوازع الديني والأخلاقي.
  4. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: يؤدي تشجيع المشاريع الصغيرة والمشروعات الحلال إلى توفير فرصٍ رسمية للأفراد، ويقلِّل من حاجتهم إلى اللجوء إلى الاقتصاد غير الرسمي.
  5. فرض قوانين أكثر صرامة ضد الاقتصاد غير الرسمي: يمكن تطبيق عقوبات صارمة لمكافحة التهرب الضريبي والأنشطة غير القانونية، إضافةً إلى التوعية بآثار هذه الأنشطة على المجتمع.

Comments are disabled.