الأجل وأثره في تنوع السوق المالية

بقلم الدكتور/ محمد السيد علي حامد

للأجل دور كبير في تنوع وانقسام السوق المالية وتنوع الأغراض والأنشطة في هذه السوق، والسوق المالية هي النظام الشامل الذي تتجمع فيها طلبات الشراء والبيع للأدوات المالية، والتي يؤدي تنفيذها إلى تحريك عمليات التداول في الأسواق المالية، وتتنوع هذه السوق باعتبارات مختلفة ومن هذه الاعتبارات أجل الأوراق المالية، حيث تنقسم السوق من هذه الحيثية إلى نوعين: سوق رأس المال وسوق النقد، وفي ضوء هذه القسمة وطبيعة الأدوات المتداولة تتفاوت درجة المخاطرة وتتنوع الأشطة الاستثمارية، ويتوخى هذا المقال دراسة أثر الأجل في السوق المالية وطبيعة الأنشطة ودرجة المخاطرة في كل نوع منها.

سوق رأس المال

يقوم سوق رأس المال على أساس طول الفترة الزمنية التي يجري فيها تداول الأصول، فالأدوات المتداولة في هذا السوق أدوات مالية ذات أجل متوسط، وطويل، وتتنوع هذه الأدوات بين أدوات ملكية: كالأسهم، أو أدوات دين: كالسندات، ويتراوح الأجل المتوسط بين السنة والعشر سنوات، أما الأجل الطويل فيزيد عن عشر سنوات.
وقد سميت سوق رأس المال؛ لكونها السوق التي يلجأ إليها أصحاب المشروعات لتكوين رأس المال في مشروعاتهم المختلفة، وأدوات هذه السوق هي:

  1. الأسهم؛ والسهم يمثل حصة في رأس مال شركة مساهمة أو إحدى شركات الأموال، ويجوز في حصة السهم أن تكون نقدية، أو عينية، أو مختلطة، ويتم تداوله عن طريق البيع والشراء بقيم مالية تختلف من يوم لآخر حسب مركز الشركة ووضعها المالي في سوق الأوراق المالية.
    وينظم قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 92 – والمعدل بالقانون رقم 17لسنة 2018 – إصدار هذه الأوراق، وإنشاء الشركات المالية للأوراق المالية، وضوابط التعامل بها والتداول بها في السوق المالي.
    وللسهم في بداية إصدار الشركة قيمة اسمية، وهي المبلغ المالي المرقوم عليه، والذي صدر به، وتضاف له قيمة سوقية من خلال دورانه في البورصة ونشاط الشركة في السوق، وتعبر القيمة السوقية عن سعر بيع السهم في سوق الأوراق المالية، وهذه هي القيمة المعتبرة للسهم والتي تمثل الربح أو الخسارة التي تحققت للسهم من جراء نشاط الشركة وحركة التداول في السوق المالية.
    ويحصل حامل السهم علي نصيب من العائد الموزع في المنشأة، كما يستفيد من ارتفاع قيمة السهم السوقية، وهو ما يسمى الربح الرأسمالي، وفي المقابل يتحمل مالك السهم قيمة خسارة السهم في السوق المالية إن هبطت قيمته هنالك عن القيمة الاسمية، كما يتحمل مقدارا من الخسارة إن حققت الشركة خسائر في نهاية العام، كما أن له الحق في نسبة من أصول المنشأة عند التصفية بمقدار ما يملك من أسهم (1).
  2. السندات؛ السند صك قابل للتداول ويثبت حق حامله فيما قدمه من مال على سبيل القرض للشركة، وحقه في اقتضاء دينه في الموعد المحدد لانتهاء مدة القرض واقتضاء الفائدة المحددة إذا كان السند متضمنا لفائدة وهذا هو الأغلب فيه، فالسند هو عبارة عن عقد أو اتفاق بين المنشأة (المقترض) والمستثمر (المقرض)، وبمقتضى هذا الاتفاق يُقرض الطرف الثاني مبلغا معينا من المال إلى الطرف الأول، الذي يتعهد برد أصل المبلغ وفوائد متفق عليها في تواريخ محددة، وقد يتضمن العقد شروطا لصالح المقرض مثل رهن بعض الأصول الثابتة ضمانا للسداد.
    ومن وجهة نظر المنشأة المالية، فإن الأسهم تعد مصدرا دائما للتمويل، إذ لا يجوز استرداد قيمة السهم من المنشأة، وإنما إذا أراد مالك السهم أن يحصل على ثمن السهم الذي يملكه، فعليه أن يتجه إلى السوق المالية ليقوم ببيع السهم فيه ويحصل على ثمنه السوقي لحظة البيع.
    أما السندات فمع أنها ورقة مالية طويلة الأجل (هناك سندات أجلها 10. أو20 أو 50..أو حتي 99سنة) ، يحصل حاملها على فائدة محددة سلفا في تواريخ محددة، لكنه أيضا يمكنه أن يبيع السند قبل وقت استحقاقه في السوق المالية، ويتحدد سعر السند وفقا لمعادلة معينة تأخذ في الحسبان عوامل متعددة مثل: العائد على السند.. والمدى الزمني الباقي له.. وأسعار الفائدة في السوق المالي.. الخ (2).

لماذا يشتري المتعاملون الأسهم والسندات؟

يقبل المتعاملون من الأشخاص الطبيعيين ومن المنشآت المالية على شراء الأسهم والسندات لأغراض متعددة، أهمها:
أولا: الشراء بغرض الاستثمار والاحتفاظ بالورقة المالية للحصول على العائد الموزع عليها من ناحية، وللحصول على ارتفاع قيمة ثرواتهم بسبب ارتفاع القيمة السوقية لما يحوزونه من أوراق مالية. وهذا هو معنى الاستثمار طويل الأجل في الأوراق المالية.
ثانيا: المتاجرة في الأوراق المالية، بمعني أن المتعامل يشتري الورقة المالية ليس للاحتفاظ بها ولكن للمتاجرة بها وجني الأرباح من ذلك، فيقوم بشراء ورقة مالية وعندما يرتفع سعرها يقوم ببيعها لجني أرباح من وراء ذلك، ولهذا يقسم بعض المتخصصين المتعاملين في البورصة إلى مستثمرين ومضاربين.
فالمستثمر هو الذي يشتري الورقة المالية بقصد الاحتفاظ بها للحصول على العائد الذي يوزع بشكل دوري في العادة على حملة تلك الأوراق، وأما المضارب فهو الذي يشتري الورقة المالية بغرض تحقيق مكاسب رأسمالية ناتجة عن الفرق بين ثمن شراء الورقة المالية وثمن بيعها، فهي عملية تقوم على تنبؤ متفائل بتغيرات قيم الأوراق المالية، حيث يقصد المضارب من شراء الأسهم أن يبيعها في وقت تحسن حالة السوق، فيبيع أو يشتري ويحصل على فرق السعر، دون أن تكون الأسهم ذات أهمية لديه، فالمضاربة هي عملية تنبؤ بتقلبات السوق في فترة قصيرة، والاستثمار تنبؤ بغلات الأصول المالية طوال فترة بقائها.
ولهذا تختلف أنظار الباحثين في مشروعية المضاربة من حيث الحكم الجزئي، ومن حيث ارتباطها بانحرافات أخلاقية وتصرفات لا تتماشى مع تفضيلات الاقتصاد الإسلامي، حيث تتضمن غالبا محاولات للتأثير على السوق؛ بترويج الإشاعات ونشر الأكاذيب عن المراكز المالية للشركات لإصعاد قيم أسهمها أو خفضها، مما قد يؤثِّر على كفاءة السوق ويتسبب في حدوث هزات وكوارث مالية.
وترتفع درجة المخاطرة في هذا النوع مقارنة بسوق رأس المال، خاصة في جانب الأسهم، حيث تخضع أدواتها لتقلبات الأسعار الناتجة عن حالة العرض والطلب، وأما السندات فهي عرضة لمخاطر تقلب الأسعار وتغيُّر الفائدة، وإن كانت آمنة من ناحية الائتمان، فغالبا ما تكون الجهة المصدرة هي البنك المركزي(3).

سوق النقد:

وهي سوق يُتداول فيها أوراق قصيرة الأجل لا تزيد فترة استحقاقها عن سنة، وقد سميت بذلك؛ لأنه يمكن تحويل الأصول المادية المتداولة فيها إلى نقود، أو لأن الأدوات المتداولة فيها تقوم بوظيفة أو أكثر من وظائف النقود، وسائر ما يتم تداوله في هذه السوق أوراق تمثل صكوك مديونية لايزيد أجل استحقاقها عن تسعة أشهر أو سنة على أقصي تقدير، وذلك مثل:

  1. شهادات الإيداع؛ ويحصل مالكها في تاريخ محدد على القيمة الاسمية بالإضافة إلى الفائدة المتفق عليها.
  2. الأوراق التجارية؛ والأوراق التجارية هي صكوك تصدرها بعض الشركات إما بسعر يقل عن قيمتها الاسمية وعند تاريخ الاستحقاق يسترد حاملها قيمتها الاسمية، أو تصدرها بقيمة اسمية مع فائدة محددة يجنيها حاملها عند تاريخ الاستحقاق ومن هذه الأوراق:
    • القبول المصرفي؛ هو أداة مالية من أدوات السوق النقدية قصيرة الأجل، حيث تتراوح فترة استحقاقها بين شهر وتسعة أشهر، ويتحدد العائد عليها عن طريق الخصم من قيمتها الاسمية(4).
    • أذونات الخزانة؛ هي أدوات دين قصيرة الأجل تصدرها الحكومة لغرض الاقتراض، وتتراوح فترة استحقاقها ما بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهرًا، وتباع بأقل من قيمتها الاسمية ويحصل المشتري في نهاية المدة على القيمة الاسمية (5).
    • الكمبيالة؛ هي صك يتضمن أمرا صادرا من شخص (الساحب)، موجها إلى شخص آخر (المسحوب عليه)، بأن يدفع مبلغا معينا لدى الاطلاع أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين إلى شخص ثالث (المستفيد) (6) .

وتقوم سوق النقد بأداء وظيفتها من خلال الجهاز المصرفي ممثلًا في البنك المركزي، والبنوك التجارية، إضافة إلى بعض الوكلاء المتخصصين في التعامل في بعض الأوراق المالية ذات الأجل القصير.
وتحتف هذه السوق بدرجة من المخاطرة تتمثل في مخاطر انخفاض القوة الشرائية، وتغير أسعار الفائدة؛ مما يعني انخفاض قيمة هذه الأوراق حين يقارن معدل الفائدة عليها بمعدلات الفائدة الجديدة.
ومع ذلك فثبات نسبة العائد على هذه الأدوات يغري المتعاملين بهذه السوق، التي توفر لهم ربحا مضمونا من خلال آليات الخصم والفائدة في ظل انخفاض نسبة المخاطرة، حيث تكون المؤسسات المصدرة ذات مركز ائتماني قوي كالبنك المركزي، بالإضافة إلى إمكانية التسييل، فضلا عن مرونة التداول والإجراءات، حيث تتميز الورقة التجارية بأنها قابلة للتداول بالطرق التجارية من شخص إلى آخر بالطرق التجارية السريعة المنصوص عليها في القانون التجاري.
ويدخل المتعاملون من الأشخاص الطبيعيين ومن المنشآت المالية إلى هذه السوق لأغراض لا تخفى على القارئ وهي: الاسترباح من الفائدة أو التمتع بالخصم، بالإضافة إلى الرغبة العامة في الاستثمار في ظل درجة أمان من المخاطرة، خاصة مخاطر تقلب الأسعار التي تؤثر كثيرا على الأصول طويلة الأجل، التي تخضع للتقلبات الحادة والتي قد تستدعي فترات طويلة حتى تعود أسهم الشركة إلى استقرارها المالي، وقد لا يمكنها ذلك في ظل أزمة من الأزمات فيعلن إفلاس الشركة وتخضع لتصفية أصولها(7).
والخلاصة: أن الأجل في السوق المالية له أثر كبير في اختلاف أنواعها وتباين الأصول المتداولة فيها، كما أن له أثرا كذلك في تفاوت درجة المخاطرة تبعا لهذه الأصول من حيث كونها أصولا استثمارية أو أوراقا للديون تخضع لنسب ثابتة من الفائدة أو الخصم، ومن جهة أخرى تبعا للقصد من وراء الدخول في هذه السوق هل هو الاستثمار الآمن في ظل وجود نسبة ربح محددة سلفا معلوم وقت اقتضائها كما في أدوات سوق النقد وبعض أدوات سوق رأس المال؟ أم الاستثمار الطويل الراغب في تنمية الأصول والذي يناسبه التجارة في الأسهم في سوق رأس المال؟ أم هو التنبؤ المتفائل بحالة السوق الذي يدفع إلى عمليات متتباعة من البيع والشراء بهدف اقتناص الربح المتمثل بين سعر البيع والشراء دون حاجة إلى ما يمثله السهم ودون التفات له كما يجري في عمليات المضاربة البحتة؟

(1) ينظر: إدارة البنوك وصناديق الاستثمار وبورصات الأوراق المالية، د محمد سويلم، دار الفجر، 1998م (ص: 268).
(2) ينظر: الموسوعة الاقتصادية، حسين عمر، دار الفكر العربي، بيروت، 1992م. (ص: 261).
(3) ينظر: الأحكام الفقهية للعمليات في السوق المالية، سلطان المشعل، رسالة دكتوراه بكلية دار العلوم، 2022 (ص: 49 – 52).
(4) ينظر: الأسواق المالية والاستثمارات المالية، د محروس حسن، 1993م (ص: 28).
(5) ينظر: سوق الأوراق المالية بين النظرية والتطبيق، نبيل خليل طه سمور، رسالة ماجستير كلية التجارية الجامعة الإسلامية فلسطين (ص: 59).
(6) ينظر: الأوراق التجارية في النظام السعودي، عبد الله العمران، عبد الله العمران، معهد الإدارة العامة، الإدارة العامة للبحوث، 1995م (ص: 29).
(7) ينظر: الأحكام الفقهية للعمليات في السوق المالية، سلطان المشعل (ص: 376).

Comments are disabled.