الاقتصاد الإسلامي على الخارطة العالمية بين الإشادة ومحاولة الاستفادة

بقلم الدكتور/ رامي عيد مكي

نما الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي على المستوى العالمي واتسع نطاق الاعتراف به كنظام اقتصادي شامل متكامل، يحقق التنمية ويحول دون الأزمات المختلفة التي عرفتها النظم الاقتصادية المعاصرة، وتم ذلك الاعتراف على عدة مستويات مختلفة شملت الجوانب النظرية والفكرية التي ينطلق منها هذا العلم إلى جوانب التطبيقات المختلفة التي نمت وترعرعت في تربة هذا الاقتصاد، وكمظهر من مظاهر هذا النجاح وهذا الاهتمام بدأنا نرى المؤسسات العلمية والبحثية والإعلامية تنوه بقيمة هذا الاقتصاد، ويعرض هذا المقال مظاهر الاهتمام المختلفة بالاقتصادي الإسلامي على المستويات التي تم التنويه بها.
أولاً: المستوى الفكري: أشار كثير من الكُتّاب الغربيين إلى تفرُّد وتميز الاقتصاد الإسلامي، في جانب نظرياته المختلفة وأساليبه في دراسة ومعالجة القضايا الاقتصادية، ويصعب حصر هؤلاء الأفراد، ولكن أشير هنا إلى بعض المقولات الغربية التي لا يقف العناية بها عند حد الشهادة لهذا الاقتصاد، بل كذلك لإدراك مدى وضوح هذا الاقتصاد في حقل الدراسات الفكرية والعلمية، ما يؤكد أنه ليس مجرد دعوات أخلاقية مجردة لا أثر لها على أرض الواقع.

  • 1/ روجيه غارودي .. في كتابه “وعود الإسلام” يقول: خلاصة القول إن الاقتصاد الناجم عن مبادئ الإسلام هو على نقيض النموذج الغربي للنمو الذي يكون فيه الإنتاج والاستهلاك معاً غايات بذاتها، دون النظر بعين الاعتبار إلى المقاصد الإنسانية، فالاقتصاد الإسلامي في مبدئه القرآني لا يستهدف النمو ولكنه يرمي إلى التوازن، فهو لا يتماثل لا مع الرأسمالية الغربية، ولا مع الجماعية الاشتراكية، فميزته الأساسية أنه لا ينصاع للآليات العمياء التي ينطوي عليها اقتصاد يحمل غاياته الخاصة فيه ذاته، وإنما هو اقتصاد محكوم بغايات أسمى إلهية وإنسانية مترابطة لا انفصام فيها، سبق الغرب والشرق في خصائص اقتصادية فريدة منذ أكثر من ألف عام(1).
  • جاك أوستري .. في مؤلفه “الإسلام والتنمية الاقتصادية” يقول: إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس محصوراً في المذهبين المعروفين -الرأسمالي والاشتراكي-، بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الاقتصادي الإسلامي، الذي سيسود على عالم المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة، يحقق كافة المزايا، ويتجنب كافة المساوئ، وأن المحرك للتنمية الاقتصادية موجود في القرآن الكريم والحديث الشريف بطريقة قوية(2).

ثانياً: المستوى التطبيقي: لقد برز اعتراف واهتمام المؤسسات العالمية بالتمويل الإسلامي كأداة فعالة لتمويل التنمية في جميع أنحاء العالم، تم تعميمه وإدراجه ضمن النظام المالي العالمي، وازداد الاهتمام به لما يتمتع به من القدرة على المساعدة في التصدي للتحديات المتمثلة في إنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك(3)، ومن هذه المؤسسات ما يلي:

  1. صندوق النقد الدولي: حيث اهتم الصندوق منذ وقت طويل بانعكاسات التمويل الإسلامي على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي، كما ساهم بدور رئيسي في إنشاء “مجلس الخدمات المالية الإسلامية” (IFSB). كذلك يقوم الصندوق بإشراك بلدانه الأعضاء في استكشاف انعكاسات التمويل الإسلامي في سياق المشورة التي يقدمها بشأن السياسات الاقتصادية وضمن جهوده المعنية بتنمية القدرات، وخاصة في مجالات تنظيم البنوك الإسلامية والرقابة عليها، وتطوير أسواق الصكوك المحلية.
    ولقد أدى نمو التمويل الإسلامي إلى قيام الصندوق بتشكيل مجموعة عمل مشتركة بين إداراته لوضع رؤية مؤسسية للصناعة المالية الإسلامية، وبناء خبرته المتخصصة فيها، وتحسين التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية. وقامت مجموعة العمل بتكثيف العمل التحليلي المعني بالتمويل الإسلامي في أهم المجالات، ومنها التنظيم والرقابة على أنشطة البنوك الإسلامية، وسياسة السلامة الاحترازية الكلية، وشبكات الأمان الاجتماعي، وتسوية أوضاع البنوك، والإشراك المالي، وحماية المستهلك، والسياسة النقدية، وأسواق الصكوك، وإدارة المالية العامة، والسياسة الضريبية.
    وقد أنشأ الصندوق مجموعة استشارية خارجية تتألف من الجهات المعنية بوضع معايير التمويل الإسلامي، إلى جانب عددٍ من كبار الخبراء الدوليين للمساعدة في تحديد قضايا السياسات وتعزيز التنسيق مع مختلف الأطراف المعنية المهتمة بالتمويل الإسلامي(4).
  2. مجموعة البنك الدولي: تدعم مجموعة البنك الدولي أنشطة وعمليات التمويل الإسلامي، ومن صور هذا الدعم ما يلي:
    • دعم البلدان المتعاملة مع البنك نحو تعزيز الأسس القانونية والتنظيمية والمؤسسية للتمويل الإسلامي.
    • تعزيز الاستخدام المنهجي والمستدام للمعرفة ذات الصلة بالتمويل الإسلامي؛ لرفع مستوى الوعي وبناء الإجماع وتعزيز الاستخدام العالمي لأدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
    • أنشأ البنك الدولي، بالشراكة مع الحكومة التركية المركز العالمي لتطوير التمويل الإسلامي في عام 2013 ، كمركز معرفي لتطوير التمويل الإسلامي على مستوى العالم، وإجراء البحوث والتدريب، وتقديم المساعدة الفنية والدعم، إلى جانب خدمات استشارية للبلدان المتعاملة مع مجموعة البنك الدولي المهتمة بتطوير المؤسسات والأسواق المالية الإسلامية.
    • مساعدة الحكومات على تصميم أطر تمويل متوافقة مع الشريعة الإسلامية لتوسيع نطاق التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
    • وقَّع البنك الدولي والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية(CIBAFI) مذكرة تفاهم للمساعدة في تعزيز تطوير التمويل الإسلامي عالميًا وتوسيع نطاقه، واستخدامه كأداة فعالة لتمويل التنمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البلدان غير الإسلامية.
    • مشاركة البنك الإسلامي للتنمية في إصدار تقرير عالمي عن التمويل الإسلامي، يحمل عنوان: التقرير العالمي عن التمويل الإسلامي: التمويل الإسلامي – حافز للرخاء المشترك؟(5).

ثالثاً: مستوى المؤسسات العلمية والبحثية: تعددت المؤسسات العلمية والبحثية المهتمة بتدريس ودراسة الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية في العديد من الدول الغربية، والتي منها على سبيل المثال ما يلي:

  • مشروع التمويل الإسلامي بجامعة هارفارد: الذي يدرس التمويل الإسلامي من منظور قانوني عن طريق تحليل الدراسات المعاصرة، وتشجيع التعاون بين العلماء داخل وخارج العالم الإسلامي، وزيادة التفاعل بين النظرية والتطبيق في صناعة التمويل الإسلامي(6).
  • برنامج التمويل الإسلامي بجامعة أكسفورد: ويهدف البرنامج إلى إنشاء منصة دولية للنقاش والحوار والدراسة والبحث والنشر، حول القضايا والتحديات المعاصرة التي يواجهها التمويل الإسلامي، وتعزيز فهم التمويل الإسلامي في المملكة المتحدة وأوروبا كطريقة بديلة للتمويل، ودعم تطوير الأفكار الجديدة التي سيكون لها القدرة على المساهمة في تعزيز دور التمويل الإسلامي في الأعمال التجارية والمجتمع(7).
  • مركز “درم” للاقتصاد والتمويل الإسلامي بالمملكة المتحدة: هو مركز متخصص في تدريس الاقتصاد والتمويل الإسلامي يمنح درجة الدكتوراه(8).

رابعاً: مستوى المؤسسات الإعلامية: عُني كثير من المؤسسات الإعلامية العالمية بتتبع أخبار التمويل الإسلامي عالمياً، نظرا لحضوره القوي سواء في الجامعات أو في الدراسات والبحوث أو في الإشادات المتكررة من قبل الخبراء والمفكرين، إلى جانب النجاحات الكبيرة على أرض الواقع خاصة بعد بروز المصرفية الإسلامية التي طبَّقت قيم ومبادئ وقواعد هذا الاقتصاد، وأعرض ههنا لبعض الصحف والمجلات التي عُنيت بأخبار الاقتصاد الإسلامي:

  • صحيفة brookings papers on economic activity التي يصدرها معهد بروكينجز في واشنطن، والتي تُعد من أهم المجلات الاقتصادية عالمياً، حيث وجهت عنايتها إلى إنشاء العديد من المقالات والتقارير عن الاقتصاد الإسلامي(9).
  • صحيفة Financial Times البريطانية والتي تُعد من أكبر الصحف العالمية في الأعمال التجارية الدولية، والتي تصدر في لندن وتطبع في 24 مدينة حول العالم، وقد اشتملت على أكثر من مئة مقال وتقرير عن التمويل الإسلامي(10).
  • صحيفة Wall Street Journal الأمريكية والتي تُعد من أكبر الصحف العالمية في الأعمال التجارية والقضايا المالية الدولية، والتي تصدر في نيويورك وتطبع في عدة دول أوروبية وأسيوية، والتي حرَّرت عشرات التقارير عن التمويل الإسلامي(11).
  • مجلة journal of finance الصادرة عن جمعية التمويل الأمريكي، والتي تقوم باستعراض الدراسات المالية، وهي من أكثر الجرائد المالية المرموقة، وتحتوي أعدادها على مئات الكتب والمقالات عن حالة التمويل الإسلامي(12).

وهذا القدر يكفي لإثبات التواجد والحضور الكبير الذي يحظى به الاقتصاد الإسلامي على الخريطة الفكرية والإعلامية والمؤسسية في سائر أنحاء العالم، وإن نظرة إلى قوة هذه المؤسسات الإعلامية والاقتصادية وتأثيرها العالمي؛ لتؤكد على أن هذا الحضور ليس حضورًا ضعيفًا أو هشًّا وإنما هو حضور قوي فعال، وذلك بالطبع راجع إلى المبادئ التي يرتكز عليها الاقتصاد الإسلامي في الجملة، والنجاحات المعاصرة التي حققتها بعض تجاربه ممثلة في المصرفية الإسلامية التي مضى عليها خمسون عاما قضتها بين تأسيس ونمو وانتشار ونجاح يليه نجاحات.

(1) روجيه غارودي، وعود الإسلام، ترجمة: ذوقان قرقوط، دار الرقي بيروت ومكتبة مدبولي بالقاهرة، ط2، 1985م، صـ69/73
(2) قويدر عياش – والهاشمي بعاج، الاقتصاد الإسلامي أصالة في المنهج أم أسلمة للأنظمة الاقتصادية الوضعية، مجلة الدراسات الإسلامية، معهد البنك الإسلامي للتنمية، جدة، السعودية، ع2، 2013م، صـ367
(3) الموقع الرسمي للبنك الدولي:
https://www.worldbank.org/en/topic/financialsector/brief/islamic-finance
(4)الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي
https://www.imf.org/external/arabic/themes/islamicfinance/index.htm#2
(5) الموقع الرسمي للبنك الدولي:
https://www.worldbank.org/en/topic/financialsector/brief/islamic-finance
(6) الموقع الرسمي لجامعة هارفارد
https://worldwide.harvard.edu/islamic-finance-project
(7) الموقع الرسمي لجامعة أكسفورد:
https://www.oxcis.ac.uk/islamic-finance
(8) الموقع الرسمي لجامعة دورهام:
https://www.durham.ac.uk/research/institutes-and-centres/islamic-economics-and-finance/
(9) الموقع الرسمي لصحيفة brookings papers on economic activity:
https://www.brookings.edu/?s=%22Islamic%20Finance%22&page=2
(10) الموقع الرسمي لصحيفة Financial Times:
https://www.ft.com/stream/a1e1d752-2c6e-4b95-99c2-49b8fbda92d1
(11) الموقع الرسمي لصحيفة Wall Street Journal:
https://www.wsj.com/articles/SB111508280589322878
(12) الموقع الرسمي لمجلة journal of finance:
https://onlinelibrary.wiley.com/action/doSearch?AllField=%22Islamic+finance%22

Comments are disabled.