مبدأ الشفافية والصدق في الاقتصاد الإسلامي الطريق لمعاملات خالية من الغش والتدليس والتضليل التجاري

بقلم الأستاذ الدكتور/ عزُّ الدِّين بن زغيبة
أستاذ الفقه والأصول والمقاصد
ورئيس هيئة الرقابة والفتوى في عدد من المصارف الإسلامية

1. تحريم الغش وأهدافه في الاقتصاد الإسلامي

الغش هو كتم حال المبيع عن المشتري، وعن البائع إذا جهله وقد علمه المشتري، وذلك ممنوع شرعاً وعرفاً، ومستند هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ(1) طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»(2).
ويدخل في هذا بيع الصُّبرة يعلم البائع بكيلها ولا يعلم المشتري بذلك، فلا يجوز ذلك حتى يعلم كل منهما بذلك. ومن ذلك أن يدخل الرجل السوق بفص يظنه زجاجاً، فإذا رآه المشترى تحقَّق أنه فص ياقوت، فهذا غش إن انعقد البيع عليه؛ لم يجز وكان البائع بالخيار.
والملاحظ هنا أن الغرر والغش يشتركان في عدم العلم؛ فعدم العلم في الغرر يتعلق بحصول المعقود عليه وعدم حصوله، بينما عدم العلم في الغش يتعلق بحال المبيع وسلامته من العيوب.
وهناك فارق جوهري بينهما وهو أن عدم العلم في الغرر حاصل في جهتي البائع والمشتري كليهما،، بينما عدم العلم في الغش حاصل في إحدى الجهتين دون الأخرى، كأن يجهله المشتري ويعلمه البائع، أو يعلمه المشتري برؤيته له ويجهله البائع، لكن إذا كان العلم بحال المعقود عليه وعدم العلم به يشترك فيه العاقدان؛ فلا غش هنا والمعاملة جائزة، وإنما يمتنع ذلك من الجهة الواحدة.

2. تحريم التدليس في الاقتصاد الإسلامي

التدليس هو إخفاء العيب الموجود في المبيع عن المبتاع، وبناءً عليه فإن كل شيء دلَّس فيه بائعه بعيب فهلك ذلك الشيء المعيب من ذلك العيب المدلس به؛ كان ضمانه من بائعه.
والذي يظهر أن التدليس يقع إذا كان وصف عدم العلم في جهة المشتري فقط، وكان البائع على علم بحالة المبيع وعيوبه، ولكنه تعمَّد كتمانها وإخفاءها عن المشتري الذي كان جاهلًا بها عند العقد؛ إما إذا جهل البائع بتلك العيوب واستوى مع المشتري في عدم العلم بها؛ فإنه لا يُعدُّ مدلِّسا، ولا يتحمل ما يصيب السلعة من هلاك أو نقص، سواء كان بسبب العيب أو بغيره، وتكون تبعته على المشتري.

3. تحريم النجش وأهدافه في الاقتصاد الإسلامي:

إن حد النجش المنهي عنه شرعًا: أنه ما يقع عند مواطأة البائع من يزايد على السلعة غير قاصد الشراء، لا يفعل ذلك إلا لدفع الغير لشرائها بثمن مرتفع، ويدخل في هذا الباب من يخبر أنه اشترى السلعة بأكثر من السعر الذي يتفق عليه البائع والمشتري ليضره بذلك، وتحريم هذا العمل لأنه من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وقد حرم الإسلام ذلك ومنعه في جميع التصرفات مهما كانت طبيعتها حيث قال تعالى: {تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش(3).
وقال ابن أبي أوفى: “الناجش آكل الربا خائن وهو خداع باطل لا يحل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(4).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ»(5).
ويحدث الغش في سوق الأوراق المالية عن طريق الإشاعات الكاذبة، والأوامر المتقابلة التي تهدف إلى إيجاد حركة مصطنعة في الطلب والعرض على الأوراق المالية في السوق. وكافتعال تعامل صوري نشط على سهم ما، في الوقت الذي قد لا يوجد فيه تعامل فعلي يذكر على ذلك السهم؛ والهدف من هذا البيع إيهام المتعاملين أن تغييرات سعرية حدثت للورقة المعنية؛ وأن تعاملًا نشطا يجري عليها، وهو يذلك لا يخرج عن كونه نوعا من الخداع والاحتيال بغرض تحقيق الربح.
ومن هذا القبيل أيضا: الاتفاقيات التي تتم بوساطة شخصين فأكثر وتستهدف إحداث تغييرات مفتعلة في أسعار الأوراق المالية بغرض تحقيق الربح، ويتم ذلك من خلال ترويج إشاعات عن سوء حالة مؤسسة معينة والإيعاز للعملاء بالتخلص من ورقة مالية معينة؛ فيندفع العملاء إلى التخلص من هذه الورقة بأدنى خسارة حتى تصل قيمتها السوقية إلى أدنى حد ممكن، وحينئذ يسعى هؤلاء المتآمرون إلى شرائها، ثم يبدؤون بعد ذلك في نشر معلومات عن تحسن أحوال المؤسسة مصدرة هذه الأوراق؛ فتبدأ القيمة السوقية للورقة في الارتفاع، ويقومون بإبرام صفقات صورية حتى يسود الاعتقاد بأن هناك تعاملًا نشطًا على تلك الأوراق فيزيد التحسن في قيمتها، وعندما تصل القيمة السوقية للورقة إلى أقصاها يبدؤون في بيعها محققين ربحا على حساب المستثمرين حسني النية.

(1) الصبرة: الطعام المجتمع كالكومة، وجمعها صبر. وقد تكررت في الحديث مفردة ومجموعة. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 9).
(2) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» (1/ 99) حديث رقم (102).
(3) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب النجش، ومن قال: «لا يجوز ذلك البيع» (3/ 69) حديث رقم (2142) ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية (3/ 1155) حديث رقم (1515).
(4) مصنف ابن أبي شيبة (4/ 451) برقم (22033) وأخرجه البخاري تعليقا (3/ 69)، وانظر: تغليق التعليق (3/ 244).
(5) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يكره من الخداع في البيع (3/ 65) حديث رقم (2117) ومسلم، كتاب البيوع، باب من يخدع في البيع (3/ 1165) حديث رقم (1533)، ولا خلابة بمعنى: لا خداع، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 58).

Comments are disabled.