الصكوك الإسلامية: مخاطر السوق، ومخاطر صكوك توريق الذمم المقبولة شرعًا

بقلم الأستاذ الدكتور/ عزُّ الدِّين بن زغيبة
أستاذ الفقه والأصول والمقاصد
ورئيس هيئة الرقابة والفتوى في عدد من المصارف الإسلامية

ذكرنا في المقال السابق أن المخاطر في الصكوك الإسلامية متعدِّدة، ومتنوِّعة بين الشرعية والقانونية، والتشغيلية، ومخاطر السوق، ومخاطر توريق الذمم المقبولة شرعًا، ومخاطر توريق الموجودات العينية وغيرها، وقد سبق أن بينّا المخاطر الشرعية والقانونية والتشغيلية، وسنكمل في هذا المقال بيان باقي المخاطر إرشادًا إلى وجوب التحكُّم فيها والسيطرة عليها، حتى تكون الصكوك الإسلامية بعيدة في الأغلب عن أي شُبهة.

أولا: مخاطر السوق:

من خلال البحوث المختلفة عن هذه المخاطر ظهر أنها تندرج تحت المخاطر العامة، حيث ترجع لاتجاهات الصعود والنزول التي تطرؤ على الأسواق لعوامل اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية، سواء أكانت أسواق الأصول الحقيقية، أو الأسواق المالية والتي تتكون بدورها من أسوق النقد، وأسواق رأس المال بسوقيها: سوق الإصدار وسوق التداول.

1. مخاطر سوق الأصول الحقيقية:

ترتبط هذه المخاطر بطبيعة الصكوك الإسلامية من حيث كونها تمثل حصةً شائعةً في ملكية الأصول، ونظرًا لأن الأصول الحقيقية من سلع وخدمات تُباع في الأسواق، فإنها قد تتعرض للنقص في قيمتها بفعل عوامل العرض والطلب، أو السياسات الاقتصادية الحكومية.. وغيرها من عوامل السوق.

2. مخاطر سوق المال:

ويمكن تصنيف تلك المخاطر وفقا لما يلي:

  • أ. مخاطر سعر الصرف:
    وتنشؤ هذه المخاطر في سوق النقد نتيجة لتقلُّبات سعر صرف العملات في المعاملات الآجلة، ففي حالة شراء سلع بعملة أجنبية وانخفاض سعر تلك العملة فإن ذلك يترتب عليه خسائر بمقدار انخفاض سعر العملة الأجنبية مقابل العملات الأخرى، كما أن مخاطر سعر الصرف تظهر أيضًا عند إصدار الصكوك بعملة معيَّنة واستثمار حصيلتها بعملات أخرى، أو إذا كانت المنشأة المصدِرة للصكوك تحتفظ بمواقع مفتوحة تجاه بعض العملات الأجنبية أو التزامات الدفع، خاصة في عمليات المرابحات والتجارة الدولية.
  • ب. مخاطر سعر الفائدة:
    وتنشؤ هذه المخاطر نتيجة للتغيُّرات في مستوى أسعار الفائدة في السوق بصفة عامة، وهى تصيب كافة الاستثمارات بغض النظر عن طبيعة وظروف الاستثمار ذاته، وكقاعدة عامة فإنه مع بقاء العوامل الأخرى على حالها، كلما ارتفعت مستويات أسعار الفائدة في السوق، انخفضت القيمة السوقية للأوراق المالية المتداولة والعكس صحيح، وهو ما يؤثر على معدل العائد على الاستثمار.
    والصكوك الإسلامية وإن كان لا مجال لسعر الفائدة في التعامل بها، أو في أنشطتها ومجالات استثماراتها، إلا أنها قد تتأثر بسعر الفائدة إذا اتخذته سعرًا مرجعيًا في التمويل بالمرابحة. كما أن سعر الفائدة باعتباره آلية يقوم عليه – للأسف الشديد- النظام النقدي والمصرفي في غالبية الدول الإسلامية، فإنه بلا شك يؤثر على الصكوك الإسلامية، خاصة إذا لم يكن للوازع الديني دورٌ في توجيه المستثمرين، وتحجَّج بعضهم بالفتوى الشاذة التي أباحت سعر الفائدة خلافًا لإجماع الفقهاء.
  • ج. مخاطر أسعار الأوراق المالية:
    وتنشؤ هذه المخاطر نتيجةً لتقلُّبات أسعار الأوراق المالية في أسواق رأس المال، سواءٌ أكانت هذه التقلبات بفعل عوامل حقيقية، أم عوامل مصطنعة وغير أخلاقية؛ كالإشاعات والاحتكار، والمقامرة، وعمليات الإحراج، والبيع والشراء الصوري، ونحو ذلك، وهو ما يؤثِّر على القيمة السوقية للصكوك الإسلامية.
  • د. مخاطر التضخُّم:
    وتنشؤ هذه المخاطر نتيجةً لانخفاض القوة الشرائية للنقود بارتفاع الأسعار، وهو ما يعني تعرُّض الأموال المستثمرة لانخفاض في قيمتها الحقيقية، والصكوك الإسلامية باعتبارها ذاتَ عائد متغيِّر، وذاتَ مكوِّنات من نقودٍ وديونٍ وأعيانٍ ومنافع فإن تأثُّرها بالتضخم يرتبط طردًا بزيادة مكوناتها من النقود والديون.

ثانيا: مخاطر صكوك توريق الذمم المقبولة شرعًا:

فيما يتعلق بصكوك توريق الذمم المدينة المقبولة شرعًا، يواجه المستثمرون في هذه الصكوك خطرين أساسيين، هما:

1. خطر التأخُّر في الوفاء:

فإذا توقَّع المستثمرون (حملة الصكوك) أن عوائد الصكوك التي توزَّع عليهم ستتأخر عدة أشهر بسبب رغبة المدين في تأخير الوفاء، فإنهم سيصابون بخيبة أمل لن تؤثِّر فقط في التنبؤ بقدرة الأصول على الوفاء، وإنما سينعكس ذلك سلبًا على الثقة في صفقات التوريق برمتها.

2. خطر العجز عن الوفاء:

هذا الخطر يعتمد وقوعه على الجدارة الائتمانية للمدين، حيث يعجز المدين عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية كاملة وفي مواعيدها، ومصدر هذه المخاطر قد يكون نتيجة سوء اختيار العميل، سواء بعدم وفائه بالتزامات العمل المسند إليه بالنسبة لاستثمارات صكوك المشاركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والمغارسة والاستصناع، أو عدم رغبته في استلام السلعة المشتراة ورجوعه عن وعده – في حالة اعتبار الوعد غير ملزم – في استثمارات صكوك المرابحة، أو عدم رغبته في استلام السلعة المستصنعة في استثمارات صكوك الاستصناع – إذا كان عقد الاستصناع جائزًا غير ملزم -، أو تأخير أو عدم سداد ما عليه من التزامات بالنسبة لاستثمارات صكوك المرابحة وصكوك الإجارة، أو عدم الالتزام بتوريد السلع المتفق عليها وصفًا وزمانًا بالنسبة لاستثمارات صكوك السلم.
فهذه المخاطر ترجع إلى عدم كفاءة العميل، أو إلى سوء سمعته، وعدم رغبته في السداد، أو إلى عدم قدرته على السداد، وهذا كله يقع في الأساس على عاتق المنشأة مُصدِرة الصكوك والمانحة الائتمان للعميل، ويؤثِّر سلبًا على عوائدها، لذا فإن هذه المخاطر تدخل ضمن المخاطر الخاصة.
وهنا تبرز أهميةُ ودورُ وكالات التصنيف العالمية في درء هذا الخطر من خلال درجة التصنيف الائتماني التي تحصل عليها المؤسسة البادئة للتوريق (المصدر)، والتي تساعد المستثمرين على توقُّع هذا الخطر قبل اتِّخاذ قرار الاستثمار في الأوراق المالية المصدَرة، بالإضافة إلى وجود ضمانات كافية مقابل تلك الأوراق لتعزيز ثقة المستثمرين بها في أسواق رأس المال.

ثالثا: مخاطر صكوك توريق الموجودات العينية:

إن الخطر يكون في حال توقُّع المستثمرين عدم قدرة هذه الأصول على تحقيق تدفُّقات نقدية كافية لتوزيع العوائد المتوقعة على حملة الصكوك التي تم تحديدها في نشرة الإصدار، مما يؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين في تلك الصكوك، ويمكن درء هذا الخطر عن طريق إجراء دراسات وافية على الأصول القابلة للتوريق، وتقدير تدفقاتها النقدية بدقة، مع إجراء تحليل للحساسية Sensitivity Analysis عليها بهدف اكتشاف مكامن الخطر ووضع التدابير اللازمة لدرء المخاطر بما في ذلك التأمين على تلك الأصول.

Comments are disabled.