المخاطر الشرعية والتشغيلية للصكوك الإسلامية

بقلم الأستاذ الدكتور/ عزُّ الدِّين بن زغيبة
أستاذ الفقه والأصول والمقاصد
ورئيس هيئة الرقابة والفتوى في عدد من المصارف الإسلامية

لقد شهدت الصناعة المالية الإسلامية في السنوات الأخيرة ازدهارًا واسعًا، ازدادت معه القناعة بها أكثر من ذي قبل وبخاصة بعد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وتطوَّرت مع هذا الازدهار أيضًا الحاجة إلى أدوات مالية إسلامية أكثر قدرة على تمويل المشاريع الكبرى، وتوفير السيولة بقدر أكبر، فكانت الصكوك الإسلامية هي الأداة المثلى لتلبية هذه الرغبات والطلبات، كما كانت هي الإجابة الشافية لتلك التساؤلات، وهنا كان لزامًا على الهندسة المالية الإسلامية أن تتحمَّل عبئًا جديدًا، ألا وهو التعامل مع إشكالية مخاطر تلك الصكوك سواء من خلال تجنبها أو توزيعها للتخفيف منها إن لم يكن من الممكن تفاديها بالكلية.
ولكن هناك ملاحظة هامة لابد من الإشارة إليها وهي: أن المخاطر في الصكوك الإسلامية تختلف حسب نوع هيكلتها، فمخاطر صكوك المرابحة تختلف عن مخاطر صكوك المشاركة، ومخاطر صكوك الاستصناع تختلف عن مخاطر صكوك الإجارة، كما تختلف مخاطر الصكوك المركَّبة من عقود عدة عن مخاطر الصكوك البسيطة التي تقوم على عقد واحد، كما تختلف هذه المخاطر باختلاف الأصول المكوِّنة للصك؛ بين الأصول الثابتة، والمنقولة، والمنافع والخدمات.
ولئن كانت هذه المخاطر متعدِّدةً ومتنوعةً بين الشرعية، والقانونية، والتشغيلية، ومخاطر السوق، ومخاطر توريق الذمم المقبولة شرعًا، ومخاطر توريق الموجودات العينية وغيرها، فإننا سنكتفي في مقالنا هذا بالمخاطر الشرعية والتشغيلية لأهميتهما.

1. المخاطر الشرعية للصكوك الإسلامية:

وتتمثل هذه المخاطر في مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية؛ حيث إن الصكوك أداة مالية اكتسبت شرعيتها من إجازة الشريعة التعامل بها وتداولها في إطار أحكام محدَّدة ومضبوطة، وبناء على أدلة كلية وجزئية، ومقاصد عامة وخاصة أُسِّست عليها تلك الإجازة، ومن ثم فإن مخالفة الصكوك لتلك لأحكام الشرعية، أو العود بالإبطال على ما ثبتت به من الأدلة الكلية والتفصيلية، والمقاصد المرعية في أي مرحلة من المراحل التي يمر بها الصك؛ تؤدي إلى إبطال الصك كليًّا أو جزئيًّا، أو فساد المعاملة تبعًا لنسبة الخرم التي تقع فيها عملية التصكيك.
فمثلًا عندما تكون مكوِّنات الصك ديون مرابحاتٍ، وأصولًا مؤجرةً فيجب أن لا تزيد نسبة الديون على 33% من مكونات الصك طوال عمر الصك حتى يجوز تداوله. وفي حال زادت الديون على هذه النسبة فإن الصك لا يجوز تداوله؛ وبالتالي يصبح الصك ضعيف السيولة، أو أن يكون تملك أصول صكوك الإجارة تملُّكًا صوريًّا، وهذا مخالف لأحكام الشريعة ومقاصدها.
ومن هذا القبيل أن بعض المؤسسات الإسلامية تنقل ملكية بعض أصول عملائها على سبيل الرهن وليس على سبيل البيع الحقيقي، فلو قامت هذه المؤسسات بتصكيك هذه الأصول على صيغة صكوك إجارة أو مشاركة أو غيرها من صور التصكيك الممكنة، فإن هذه الصكوك باطلة؛ لأن المؤسسة باعت على حملة الصكوك ما لا تملك وهو من البيوع المنهي عنها في الشريعة الإسلامية.
ومما يندرج في هذا الباب استخدام أموال الصكوك في المحرمات، سواء أكانت محرمات لعينها؛ كالسلع والخدمات المحرمة، أو محرمات لكسبها؛ كالربا، والقمار، والغش، والتدليس، والخديعة، والخيانة … الخ.
ولعل من أبرز عناصر مخاطر الرقابة الشرعية هو ضعف الرقابة الشرعية في العديد من المؤسسات المالية الإسلامية، أو البنوك التقليدية التي تمتلك شبابيك إسلامية، أو الفروع التابعة لها؛ مما يؤثر سلبا في ثقة المتعاملين وسمعة المنشأة لديهم، وهو الأمر الذي من شأنه أن يترك آثارًا على القيمة السوقية للصكوك الإسلامية.
وصور المخالفة للشريعة في الصكوك الإسلامية كثيرة ولا يمكن حصرها في هذا المقال، فكل هيكل من هياكل الصكوك له ضوابطه الشرعية التي تعدُّ مخالفتها من المخاطر التي يجب دراسة إمكانية وقوعها، وكيفية الحد منها، وطرق معالجتها.
إلا أن هذا النوع من المخاطر يختلف قوةً وضعفًا من بلد إلى بلد ومن مؤسسة مالية إلى أخرى، فالبلدان التي توجد بها بيئة مصرفية إسلامية، وتتوافر على منظومة قانونية داعمة وهياكل مساندة، ورقابة شرعية مركزية صارمة، إلى جانب رقابة شرعية داخلية قوية في كل مؤسسة، فإن المخاطر الشرعية في هذه الظروف تكون في حدها المعقول القابل للعلاج والتدارك.
أما في البلاد التي تخضع فيها جميع المؤسسات المالية للنظام المالي التقليدي وترسانته القانونية، حتى التي تعمل بالنظام الإسلامي، مع انعدام شبه كامل للمؤسسات والهياكل الداعمة والمساندة، والغياب التام للرقابة الشرعية المركزية، مع القصور الواضح في الرقابة الشرعية الداخلية بالمؤسسات المصرفية الإسلامية العائدة لانعدام التجربة لدى أفراد الجهاز الرقابي والخبرة اللازمة في التعامل مع مثل هذه الأوضاع، وكذا عدم قدرة منظومة التسيير لتلك المؤسسات على التخلص السريع من رواسب النظام التقليدي؛ مما يجعل الاستجابة لتعليمات الهيئات الشرعية يشوبه نوع من الاضطراب في التنفيذ، إلى جانب الاستيعاب البطيء نسبيًّا في التأقلم مع النظام الجديد؛ فإن مثل هذه الأوضاع تجعل المخاطر الشرعية في أعلى درجاتها، ويكون من الصعوبة بمكان تنفيذ تفاصيلها على الوجه المطلوب.

2. المخاطر التشغيلية للصكوك الإسلامية:

إن هياكل الصكوك الإسلامية التي يجوز تداولها يجب أن تكون قائمةً على أصول، كما يجب أن يكون العائد على هذه الصكوك ناتجًا عن هذه الأصول.
وإن المخاطر التشغيلية لهذه الأصول يجب أن تدرس بعناية، فمثلًا نعلم أن العائد الإيجاري في صكوك الإجارة هو عائد الصك، فلو تعطلت منافع العين المؤجرة المكوِّنة لصك الإجارة فلا يجب على المستأجر دفع الأجرة؛ وبالتالي لن يعود للصك أي عائد.
ومن هنا يتبين لنا أن صكوك الإجارة القائمة على العقار أقلُّ تعرضًا لمخاطر “فقدان العائد بسبب تعطل المنفعة” من الصكوك القائمة على المركْبات، أو المصانع، أو الطائرات، أو البواخر.
كما أن المخاطر المحتملة الناتجة عن تملك هذه الأصول يتحملها حملة الصكوك، مثل الأضرار البيئية الناتجة عن المصانع، أو البواخر وغيرها من المخاطر التي تتعلق بكل أصل على حدة.
وتنقسم هذه المخاطر إلى نوعين: مخاطر عامة؛ وذلك إذا كانت هذه المخاطر بفعل عوامل خارجية؛ كالكوارث الطبيعية، والحوادث المختلفة، مثل: ما تسببه الكوارث أو الحوادث في هلاك الزرع في استثمارات صكوك المزارعة، أو هلاك الأصل المؤجر في استثمارات صكوك الإجارة، ونحو ذلك.
ومخاطر خاصة؛ إذا كانت بفعل عوامل داخلية كعدم كفاية التجهيزات، أو وسائل التقنية، أو الموارد البشرية المؤهَّلة والمدرَّبة، أو فساد الذمم، أو عدم توافر الأهلية الإدارية (أي: الكفاءة الإدارية) القادرة على القيام بمهام الوكالة عن الملاك، وتحقيق الأرباح مع نموِّها واستقرارها مستقبلًا، والمحافظة على المركز التنافسي للصكوك، ونحو ذلك.
وبناءً عليه؛ فإننا نحن في الجزائر مازلنا نحتاج إلى جهد مضاعف وعمل دؤوب وتضحيات ضرورية بالمال والوقت، حتى نتمكن من الخروج بالصيرفة الإسلامية إلى بر الأمان ووضع قطارها على السكة الصحيحة والسليمة. والله ولي التوفيق والسداد.

Comments are disabled.