الاقتصاد السلوكي الإسلامي: مفهومه تطبيقاته دوره في تعزيز التمويل الإسلامي

بقلم الدكتور/ زايد نواف الدويري
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية
مستشار وخبير في الاقتصاد السلوكي

الاقتصاد السلوكي هو فرع حديث من علم الاقتصاد يجمع بين مبادئ الاقتصاد التقليدي وعلم النفس، ويهتم بدراسة كيفية اتخاذ الأفراد لقراراتهم الاقتصادية و معرفة تأثير الانحيازات ( التحيُّزات) النفسية والاجتماعية والمعرفية على هذه القرارات. و في السنوات الأخيرة، وعلى مستوى الاقتصاد الإسلامي، وتحديدًا في قطاع التمويل؛ بدأ الاقتصاد السلوكي يلعب دورًا متزايد الأهمية في تطوير هذا القطاع ، الذي يرتكز على مبادئ الشريعة الإسلامية في تنظيم المعاملات المالية، ما يتطلب فهمًا دقيقًا لسلوك المتعاملين.
ويهدف هذا المقال إلى استعراض التطورات التي وصل إليها الاقتصاد السلوكي في مجال التمويل الإسلامي، أو الاقتصاد السلوكي الإسلامي إن صح التعبير، مع التركيز على التطبيقات والفرص والتحديات المستقبلية.

مفهوم الاقتصاد السلوكي وعلاقته بالاقتصاد الإسلامي :

يرى الاقتصاد السلوكي أن الإنسان لا يتصرف دائمًا بطريقة عقلانية، بل تتأثر قراراته بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية، التي قد تؤدي إلى انحرافات عن النموذج الاقتصادي التقليدي. في حين يفترض الاقتصاد الإسلامي أن الإنسان يكون بكامل رشده في اتخاذ جميع قراراته الاقتصادية، وهو ما يتقاطع نوعا ما مع مبادئ الاقتصاد السلوكي التي تأخذ بالاعتبار محدودية العقلانية البشرية. ولكن الاقتصاد الإسلامي يضيف بعدًا دينيًا وأخلاقيًا لسلوك المستهلكين، حيث يخضع هذا السلوك لمبادئ الشريعة التي تضبط حريته المالية بما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة، إذ يؤمن بأن السلوك الاقتصادي مرتبط بمسؤولية دينية وأخروية، وهو ما يؤثِّر على قرارات الإنفاق والادخار والاستثمار.

تطبيقات الاقتصاد السلوكي في المصارف الإسلامية:

تستطيع المؤسسات المالية الإسلامية أن توظِّف مبادئ الاقتصاد السلوكي؛ لفهم دوافع العملاء وتصميم منتجات تتلاءم مع سلوكهم واحتياجاتهم. على سبيل المثال، دراسة الانحيازات السلوكية التي تؤثر على تبني صيغ التمويل الإسلامي مثل: المضاربة والمرابحة، والعمل على توجيه العملاء نحو قرارات عقلانية تحقق لهم وللمؤسسات المالية استدامة النمو. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الاقتصاد السلوكي في تعزيز الشمول المالي من خلال تطوير سياسات ونماذج تلبِّي احتياجات مختلف شرائح المجتمع.

أهمية الاقتصاد السلوكي لتحسين التمويل الإسلامي:

يوفر الاقتصاد السلوكي أدوات قوية لتحليل السلوكيات غير العقلانية، التي قد تؤثر على سوق التمويل الإسلامي، وبالتالي يساعد على تقديم حلول مبتكرة على مستوى المنتجات والسياسات. كما يمكن أن يساعد في زيادة وعي العملاء وتمكينهم من اتخاذ قرارات مدروسة، مما يقلِّل من المخاطر التمويلية ويوفر بيئة مالية تتسم بالعدالة والشفافية. ولعله من الأهمية بمكان تعميم استخدام العلوم السلوكية في المؤسسات المالية الإسلامية، مع التركيز على نشر التوعية لسلوكيات مالية سليمة ضمن المجتمع، ضمن الأطر التالية:

  • فهم القرارات المالية من منظور نفسي واجتماعي.
  • الاقتصاد السلوكي يكشف عن أن المستهلكين لا يتصرَّفون دائمًا بطريقة عقلانية بحسب النظريات التقليدية، بل تتأثر قراراتهم بمجموعة من العواطف والتحيُّزات، مثل: الخوف من الخسارة، التحيُّز للتأكيد، والتأثير الاجتماعي. من خلال هذا الفهم، يستطيع مزودو الخدمات المالية الإسلامية تصميم منتجات تناسب السلوك الفعلي للعملاء، مثل: تقديم عقود مرنة تضمن إشراك العميل في المخاطر بأسلوب يقلِّل من الخوف والشكوك.
  • تعزيز الثقة والشفافية بالمنتجات المالية وهي جوهر النجاح، حيث يسلِّط الاقتصاد السلوكي الضوء على كيفية بناء الثقة، من خلال الشفافية، وتبسيط اللغة المستخدمة في العقود والمنتجات المالية، وتقديم المعلومات بشكل واضح ومفهوم يعزِّز من رضا العملاء ويزيد من إمكانية التزامهم بالعقود.
  • تصميم منتجات مالية متوافقة مع الشريعة ومناسبة للسلوك عبر إدماج مبادئ الاقتصاد السلوكي، فيمكن تطوير منتجات تمويلية إسلامية تراعي التحيُّزات والميول النفسية مثل: ميل الفرد إلى تجنب المخاطر، أو حاجته إلى الطمأنينة. فمثلاً، تقديم منتجات تمويل إسلامية تجمع بين المشاركة في الأرباح، وتقسيم المخاطر يمكن أن يحفِّز المشترين ويشجِّع على التوجُّه نحو التمويل الإسلامي.
  • تحفيز السلوك المالي المسؤول والمستدام: فالاقتصاد السلوكي يوفر أدوات لتشجيع المستهلكين على اتخاذ قرارات مالية أفضل، مثل: استخدام الحوافز المعنوية، وتبني معايير اجتماعية إيجابية، وتسهيل اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال إعداد بيئة مالية تدعم الالتزام والادخار. وهو أمر مهم في التمويل الإسلامي الذي يركز على التنمية الاقتصادية المستدامة وعدم التبذير أو المغامرة غير المحسوبة.
  • تقليل المخاطر المرتبطة بالقرارات غير العقلانية: حيث تمثِّل المشاركة في المخاطر وجهًا أساسيًا للتمويل الإسلامي. ويمكن للاقتصاد السلوكي المساعدة في التعرُّف على كيفية تقليل مخاطر اتخاذ قرارات مالية متسرعة، أو مبنية على معلومات ناقصة، أو تحيزات مؤثرة. وأيضا يمكن للتصاميم الجديدة للعقود أن تحد من هذه الأخطاء عن طريق التوازن بين المقصد الشرعي وفهم الجانب النفسي

وبهذا يلعب الاقتصاد السلوكي دورا قويا في تعزيز حضور مفاهيم الاقتصاد الإسلامي ومبادئه فضلا عن دوره في الإقبال على الأدوات المالية الإسلامية المبنية على التحليل النفسي وإدراك العوامل المؤثرة في القرارات الاقتصادية.

Comments are disabled.