التعامل بالرافعة المالية “Leverage” مفهومه وأحكامه
بقلم الدكتور / عبد الباري مشعل
عضو مجلس الفقه بأمريكا الشمالية
1. مقدمة تأسيسية:
انتشرت التعامل بالرافعة المالية في منصات التداول الإلكتروني التقليدية، وهي متاحة اليوم في العديد من شركات الوساطة الإسلامية، ويقصد بالرافعة المالية أن يوفِّر الوسيط للمتعامل قوة شرائية بنسبة من محفظة المتعامل أو حسابه الاستثماري. فإذا كان المتعامل يملك 100000 دولار في محفظته فإنه قد يتاح له التعامل بمبلغ 150000 دولار، أي بزيادة 50000 دولار. فلو فرض أنه تعامل بكل المتاح أي 150000 دولار وانخفضت قيمة المحفظة إلى 100000 دولار، فإن الشركة التي منحته الرافعة تقوم بتسييل بقية الأسهم الموجودة في محفظته لتسترد المبلغ الذي منحته إياه.
2. التكييف الفقهي للرافعة المالية:
أطلقت القرارات الشرعية الصادرة في الرافعة المالية القرضَ على المبلغ الزائد، وقد ينازع البعض -خاصةً من الفنيين- في تسمية هذا الزائد قرضًا، وذلك؛ لأن المتعامل لم يتسلَّمه، ويرون أنه مجرد توفير القدرة على الشراء بأكثر مما لديه من سيولة، وهذا جدلٌ وإن كان له ما يسوِّغه؛ فإن الوسيط في النهاية هو الذي دفع ثمن الصفقات التي تزيد عن مبلغ 100000 دولار، وبالتالي يكون الوسيط مُقرضًا للمتعامل في حدود ما دفعه عنه.
ومن ثمَّ يمكن تكييف هذه العملية بأنها قرضٌ بشرط التعامل مع الوسيط. أي: الشراء من خلال الوسيط. ويوصَّف شرعًا بأنه من قبيل الجمع بين سلف وبيع بالشرط وهو منهي عنه لحديث «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»(1). وقد يترتب على ذلك عمولتان :
- العمولة الأولى: عمولة على القرض، وقد تكون هذه العمولة، غير فاعلة إلا عند عدم إغلاق المعاملة في اليوم نفسه وهي المسمّاة برسوم التبييت. أما إذا تم الإغلاق في اليوم نفسه فلا تُطبَّق العمولة، والعقد ينص على هذه العمولة ضمن شروطه.
- العمولة الثانية: عمولة الوساطة في الصفقة، وهذه مقابل عمل، وقد تُطبَّق العمولة المعتادة؛ كما لو لم توجد الرافعة، أو قد يُراعى فيها الرافعة فيزاد في العمولة في حال استخدم المتعامل مبلغ الرافعة في الصفقات.
3. الحكم الشرعي لتعاملات الرافعة المالية:
يشمل الحكم الشرعي، حكم الدخول في عقد الرافعة مع العمولة، وحكم عقد الرافعة بشرط التعامل مع الوسيط:
أولًا: حكم الدخول في عقد الرافعة مع العمولة:
العمولة على مبلغ الرافعة ربًا، ولكن السؤال ماذا لو لم تتضمن الرافعة عمولةً ليوم واحد، وتجنَّب المتعامل التبييت، أي: تجنب تطبيق العمولة على الرافعة؟
والجواب: يبقى العقد فاسدًا؛ لتضمنه شرطًا حرامًا وهو العمولة أو الفائدة في حال التبييت، ولا يجوز الإقدام على العقد الفاسد، أو الباطل، ولا يُوجد حاجةٌ مقبولةٌ شرعًا تسوِّغ الدخول في هذا العقد على أساس تجنُّب العمولة.
ثانيًا: حكم عقد الرافعة بشرط التعامل مع الوسيط:
بالنظر إلى النتيجة النهائية أصبح الوسيط مُقرضًا بشرط التعامل معه، فما حكم هذا القرض الذي شُرِط فيه أن يتم إجراء الصفقات من خلال الوسيط نفسه؟
الجواب: في الصورة شُبهة انتفاع المتعامل بالقرض مقابل الدخول في عقد مع وسيط معين، والانتفاع هو سبب النهي عن سلف وبيع السابق ذكره، وللتوضيح نقول: إن النهي عن سلف وبيع معللٌ أو مسببٌ وليس تعبديًّا، وقد قال الفقهاء في تعليل المنع: حتى لا تُتَّخذ المعاملة المصاحبة للقرض (وهي هنا الوساطة في الصفقات) وسيلةً لتحصيل عائد على القرض بزيادة عمولة الوساطة عن المعتاد. وقد أجمعت الأمة على أن كل قرض جر نفعًا فهو ربًا والزيادة هنا هي من النفع. (2)
والنظر الشرعي المعاصر في حكم الرافعة مع عمولة الوساطة على رأيين:
- الرأي الأول: لا مانع أن تكون العمولة بسعر المثل. وأن هذا كافٍ لتجنب شبهة الانتفاع من القرض.
- الرأي الثاني: يجب أن تكون العمولة بالتكلفة الفعلية؛ لتجنُّب شبهة الانتفاع من القرض، وذلك؛ لأن الوسيط المقرض لم يكن ليحصل على هذه العمولة لو لم يَمنَح الرافعة/القرض.
4. البدائل الشرعية للتعامل بالرافعة المالية:
المتاح في بعض شركات الوساطة الإسلامية بديلان شرعيان:
- الأول: القرض الحسن الخالي من شرط العمولة، ولكن بشرط إنهاء المعاملات في نهاية اليوم. وبالتالي أصبح الدخول في القرض خاليًا من المحذور. ولكن بقي المحذور في عمولة الوساطة وهي على القولين المذكورين آنفًا.
- الثاني: تمويل المتعامل بأسهم، أو سلع بالمرابحة ويتم إيداعها في حساب المتعامل أو محفظته، ويكون للعميل حرية التعامل بهذه الأسهم أو السلع، غير أن كامل محفظة المتعامل بها مرهون، بحيث لو انخفض رصيد المحفظة ولم يتبقَّ سوى ما يقابل الدين، فإن الوسيط سوف يقوم بتسييل المحفظة ليستوفي دينه.
والتسييل لغرض استيفاء الدين لا إشكال فيه في كل الأحوال. غير أن حكم عمولة الوساطة مع وجود الدين الحكم فيها على قولين أيضًا كما مر؛ لوجود الدين وهو كالقرض، فكما لا يجوز الانتفاع من القرض، فإنه لا يجوز الانتفاع من الدين بعد ثبوته في الذمة.
(1) أخرجه الترمذي في سننه (3/ 528) أبواب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، وقال: ((حسن صحيح)).
(2) الإجماع منقول عن أكثر من واحد من فقهاء الإسلامي فمثلا: قال ابن عبد البر: “أجمع العلماء على أن من باع بيعًا على شرط سلف يسلفه، أو يستسلفه، فبيعه فاسد مردود، إلا أن مالكًا في المشهور من مذهبه يقول في البيع والسلف: إنه إذا طاع الذي اشترط السلف بترك سلفه، فلم يقبضه، جاز البيع”. وقال القرطبي: “واتفق العلماء على منع الجمع بين بيع وسلف”. وقال ابن قدامة: “لو باعه بشرط أن يسلفه أو بقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه، فهو محرم والبيع باطل. وهذا مذهب مالك والشافعي ولا أعلم فيه خلافا، إلا أن مالكا قال: إن ترك مشترط السلف السلف صح البيع”. انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، عام النشر: 1387 هـ (24/ 385). تفسير القرطبي، “الجامع لأحكام القرآن”، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن فرح الأنصاري، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م (3/ 360). المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، الناشر: مكتبة القاهرة (4/ 177).المحرر.