المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المالية قراءة في دور المصرفية الإسلامية

بقلم الدكتورة/ هيام سامي الزعبي
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية

تُعتبر المسؤولية الاجتماعية من أولويات المصارف الإسلامية واهتماماتها، فهي ليست دورا تقوم به المؤسسة مجاراة للقانون أو تحصيلا للشهرة، بل هي التزام تعبدي أخلاقي يرتبط بهدف محوري من أهداف البنوك الإسلامية ألا وهو تحقيق التنمية الاجتماعية، وقد أسهمت المصرفية الإسلامية في تحقيق هذا الدور من خلال أنشطة وعمليات مختلفة، ويأتي هذا المقال لرصد هذا الدور وأبعاده بعد بيان ماهية المسؤولية الاجتماعية.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية

يدور معنى المسؤولية الاجتماعية حول تحمل الشركات لمسؤوليتها تجاه أصحاب المصالح، من حملة الأسهم والمستهلكين والعملاء والموردين والعاملين والبيئة والمجتمع، وتُعرَّف بأنها: قيام المؤسسات بوضع البرامج والأنشطة التي تؤدّي إلى تحقيق أهداف اجتماعية تتكامل مع الأهداف الاقتصادية فيها. كما تُعرَّف بأنها “مسؤولية الفرد والمجتمع النابعة من الشريعة الإسلامية، كمصدر وكموجب للتكليف لتحقيق منافع الدنيا وثواب الآخرة”.
وتظهر أهميتها في المؤسسات المصرفية من خلال تحقيق التوازن بين أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، والذي يشكل عاملاً أساسيًّا في نموها وبقائها على المدى الطويل، وتلبية متطلبات المجتمع المختلفة وتحسين الرفاهية، كما يُعتبر مفهوم المسؤولية الاجتماعية قاعدة رئيسية من قواعد التفوق والريادة، وعاملًا مهمًّا لتوثيق أواصر الترابط والتراحم والتكافل في المجتمع.
وليس صحيحا ما شاع أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية مقيد ومرتبط بالعمل الخيري والتطوعي فقط، كأنه لا يرتبط برؤية استراتيجية تعود بالفائدة على جميع الأفراد، بل تظهر المسؤولية الاجتماعية في الأنشطة الربحية تماما كما في الأنشطة التطوعية.

خصائص المسؤولية الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي

تتصف المسؤولية الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي بعدة صفات تجعل لها طابعًا اقتصاديًّا إسلاميًّا، وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

  1. التكليف بالمسؤولية: ويقرر هذا المبدأ أن المسؤولية الاجتماعية مطلوبة على وجه الجملة، وتخضع أحكامها ومجالاتها ونسبها إلى تقدير المصلحة والحالات المختلفة وظروف المجتمع ووضعه من التنمية.
  2. تقوم على أساس الدوافع الداخلية للمساهمين أولًا، وإدراكهم لواجبهم في أداء الأدوار والخدمات الاجتماعية المختلفة، وهذا اتِّساقا مع ارتباط النشاط الاقتصادي الإسلامي بضمير المسلم وتصوراته حول الكون والحياة ودوره في المجتمع.
  3. التقييم والجزاء: وهو الوجه الثاني للمسؤولية فإذا كانت المسؤولية قائمة على أساس التكليف فإنه لابد من جزاء على هذا التكليف، ومن هنا يتعيَّن وضع المسؤولية الاجتماعية معيارًا لتقييم أداء المؤسسات المالية الإسلامية وتصنيفها التصنيف الائتماني الشرعي.

المسؤولية الاجتماعية في المصارف الإسلامية

زاد الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية من قبل منظمات الأعمال في البلدان النامية والمتقدمة، بسبب تأثيرها المباشر وغير المباشر على أعمال المؤسسة وفاعليتها، ولهذا أصبحت المسؤولية الاجتماعية من أكبر التحديات التي تواجه رجال الأعمال، وبدأت المؤسسات تطالب بتطبيق الحوكمة من أجل تحقيق المسؤولية تجاه أصحاب المصالح وبالتالي الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعاتها، عند القيام بممارسة عملياتها الإنتاجية.
وفي جانب الاقتصاد الإسلامي فإن الاسلام أكَّد على المسؤولية الاجتماعية، كتنظيم اجتماعي يؤسس لبناء مجتمع مستقر ومتماسك، تتكامل فيه العناصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا يقتصر هدفها على المساهمات المادية والعينية، بل تؤدي إلى غرس روح المحبة والألفة والرحمة وتجسيد القيم الاسلامية في الواقع العملي.
وانطلاقًا من هذا الأساس يُعتبر الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية واجبًا أخلاقيًّا أصيلًا، يستند إلى عقيدة اقتصادية إسلامية، تقرر أن ملكية المال في المنظور الإسلامي لله عز وجل، وأن الإنسان مستخلف فيه، وأن لله سبحانه وتعالى حقًّا في المال، وحق الله في التصور الإسلامي هو حق المجتمع، وضمن هذه المرجعية ووفقًا لهذا التصور تعمل المصارف الإسلامية.
ولهذا يصدر واجب المسؤولية الاجتماعية للمصرف الإسلامي عن إيمان أفراده بمسؤوليتهم في تحقيق الأهداف والغايات التي ارتبطت بالاقتصاد الإسلامي، وذلك بتيسير تداول الأموال والانتفاع بها، والعمل على تحريكها وتوظيفها في خدمة الأفراد والمجتمع في الأنشطة المباحة، إلى جانب أدوار اجتماعية تضطلع بها البنوك الإسلامية وثيقة الصلة بالجوانب التعبدية مثل: إعانة المسلمين على تأدية واجباتهم الشرعية، من خلال جمع الزكاة وتأديتها عن الحسابات المستحقة للمساهمين والمودعين والمستثمرين، وكذلك عن أرباح البنك، ومن خلال إعانة المتعاملين مع البنك (موظفين وعملاء) على جمع المدَّخرات لتأدية فريضة الحج من خلال صندوق الحج، وغيرها من المنتجات ذات الطبيعة الاجتماعية والتكافلية كصناديق القرض الحسن وصناديق التكافل.

دور المنتجات المالية الإسلامية في دعم المسؤولية الاجتماعية

إن الأسس النظرية التي تقوم عليها فكرة البنوك الاسلامية وأساليب العمل المتبعة لديها تتضمن اعتباراتٍ هامة تنعكس إيجابيًّا على رفاهية المجتمع واستقراره، فالإسلام يهدف إلى تحقيق مجتمع التكافل والتضامن، وينظر نظرة خاصة للإنسان فيها مراعاة لكرامته، وقصدٌ لإسعاده وتوفيرِ بيئة رشيدة يعمل فيها بعيدا الاستغلال والظلم.
والمصارف الإسلامية هي أهم المؤسسات المعاصرة لتحقيق هذه الأهداف من خلال سلسلة من الاستثمارات والأعمال التي تحمل الطابع الاجتماعي، وتتعدد المنتجات والأنشطة ذات الأثر الاجتماعي للمصرفية الإسلامية، وهي منتجات تساهم إلى حد كبير في إشباع الحاجات الخاصة والعامة، وتوفير المرافق الاجتماعية ذات الدور الحيوي في المجتمع، ويظهر ذلك من خلال الأنشطة المتعلقة بالقروض الحسنة والتبرعات، وتمويل الحرفيين، وصندوق التامين التبادلي، والطاقة والبيئة، وإدارة الزكاة.
وإن أدوات التمويل الإسلامية ذات الهامش الربحي تساعد بشكل ما في تعزيز المسؤولية الاجتماعية للمصارف، فإقامة نشاط استثماري حقيقي بعيد عن الظلم والاستغلال فيه تحسين لجودة الحياة وتوفير البيئة العادلة للمستثمرين، وانتهاء هذا النشاط في شكل منتج قائم على أسس شرعية ومقاصدية يعني توفير منتجات قادرة إشباع الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع، كما أن قدرة المصارف الإسلامية على جذب صغار المودعين، تعني زيادة في المدخرات على المستوى الكلي (القومي)، الأمر الذي يعكس دورها الإيجابي في المجتمع.
كما تسعى المصرفية الإسلامية إلى الابتكار والتجديد ومواكبة التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، والاعتماد على معايير تشمل نمو الأصول، والربحية، والتوسع الجغرافي، والعلاقات الاستراتيجية، وتطوير الأعمال، والابتكار في المنتجات، وتعزيز البيئة الاقتصادية الصحية، ومن قديم تسعى المصارف الإسلامية إلى حشد المدخرات الوطنية وتوجيهها إلى أنشطة ومشاريع اقتصادية واجتماعية تعود بالفائدة على أفراد المجتمع، إلى جانب تقديم الدعم والمشاركة لمبادرات تساهم في إرساء قواعد التنمية المستدامة، وتساعد على الوصول إلى العيش الآمن والاستقرار الاقتصادي.
وكل ما سبق يؤكد على محورية المسؤولية الاجتماعية في المصارف الإسلامية، والذي يظهر من خلال الاستثمارات المنضبطة بأحكام الشريعة ومقاصدها، والتي تتجه نحو كفايات الحاجات وإشباع الأولويات، إلى جانب مساهماتها في القطاع الخيري بتقديم القروض وتوزيع الزكوات وإقامة المرافق المجانية؛ كالمسشفيات ودور التعليم وغيرها.

Comments are disabled.