العقود الشرعية: عقد الكفالة
الأستاذ الدكتور/فياض عبد المنعم
الكفالة عقد من عقود التبرع، وهي نوع من التعاون بين أفراد المجتمع، كما أنها وسيلة من وسائل قضاء حاجات الناس؛ فقد يحتاج الإنسان إلى شراء شيء ضروري، وليس معه المال في الوقت الحاضر، فيشتري بالدَّيْن، وقد يطلب البائع (الدائن) كفيلًا يضمن له الدين؛ فيوافق الكفيل على كفالة هذا الدين. إذن؛ فالكفالة وسيلة من وسائل تيسير الوفاء بحاجات الناس. فالشريعة لا تقف حاجزًا أمام تحصيل مقاصد المتعاملين بأيسر طريق وأعدله، كما أنها تسعى دائمًا إلى توفير الثقة في إجراء المبادلات على نطاق واسع.
و(الكفالة) لها أسماء، منها: حمالة، وضمانة، وزعامة. والكفالة تعني: الالتزام، وتعرف بأنها: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المدين، والكفالة نوعان: كفالة بالنفس، وكفالة بالمال.
والكفالة بالنفس تعرف بضمان الوجه، وهي الالتزام بإحضار الشخص. أما الكفالة بالمال، فهي تعني ضمان الدين المستحق على المدين بالمطالبة أو أدائه، ولا مانع من ثبوت الدَّيْن في أكثر من ذمة.
والكفالة جائزة بالقرآن، والسُّنَّة، والإجماع، ففي القرآن قال اللَّه تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} فالزعيم: هو الكفيل، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «الزعيم غارم» رواه أبو داود وغيره.
والضابط العام في الكفالة هو الوصول إلى الوفاء بالدَّيْن، والمطالبة يكون وقتها بعد ثبوت الحق المكفول، وقد أجاز جمهور الفقهاء كفالة المجهول أو الحق الذي يؤول إلى الوجوب، وذلك أيضًا من باب التوسع في استعمال الكفالة بوصفها وسيلة لإشاعة الثقة بين المتعاملين.
وتجوز الكفالة بالمال في كل مال ثابت في الذمة حالًّا كان أو مؤجلًا، ويجوز كذلك كفالة الدين الحال مؤجلًا أي الالتزام بسداد الدَّيْن المكفول في موعد مؤجل، وكذلك كفالة الدَّيْن المؤجل حالًّا، وهذا لأن الكفالة من عقود التبرعات؛ فيتوسع فيها على خلاف عقود المعاوضات، وتجوز كفالة الميت؛ إذا كان عليه دَيْنٌ ولم يترك وفاء لدَيْنه.
ويجوز في الكفالة ما يسمى (ضمان الدَّرَك) وهو: أن يقول الكفيل لآخر يريد أن يشتري بضاعة: أنا كفيل بما يدركك في هذا البيع؛ لهذا يسمى بضمان الدَّرَك، أي: يكون ضامنًا للثمن عند استحقاق المبيع؛ فالحاجة ماسة إلى معاملة بين البائع ومن لا يعرف من المدينين في الشراء؛ فاحتاج إلى توثيق للدين.
وقد توسعت صور التعامل بالكفالة في المعاملات الحديثة كما في خطابات الضمان بأنواعها، وكما في الاعتمادات المستندية وغيرها من الأدوات الحديثة الناشئة عما يجب في ذمة عملاء البنوك من الدين الناشئ عن أثمان الواردات من الخارج، أو الالتزامات الناشئة عن تعهدهم بالأعمال الإنشائية والتوريدات وغير ذلك.
وفي هذه الصور نجد اجتماع الكفالة والوكالة معًا في المعاملة الواحدة، وهنا يجوز للبنك أخذ أجر عن الأعمال والخدمات التي يتكفلها عند قيامه بإصدار خطابات الضمان، فهو في هذه الحالة يكون وكيلًا عن المتعاملين.