العقود الشرعية: عقد الوديعة
الأستاذ الدكتور/فياض عبد المنعم
الوديعة هي المال المدفوع للغير من أجل حفظه. والذي يدفع الوديعة للغير يسمى (المودِع)، والشخص الذي تودع عند الوديعة يسمى (المودَع) أو (الوديع)، والوديعة أمانة؛ قال اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك».
والوديعة حاجة اجتماعية، ووسيلة مشروعة لحفظ أموال الناس؛ فليس كل إنسان يستطيع أن يحفظ ماله في بيته دون الخوف عليه من الضياع أو السرقة؛ فشرعت الوديعة لتغطية هذه الحاجات.
وقد تعامل الناس بالوديعة في مختلف العصور؛ فهي من وسائل التضامن الاجتماعي والتعاون، ووسيلة يسيرة لقضاء حاجات الناس في الاطمئنان إلى حفظ أموالهم من مكان آمن.
وقد وضعت الشريعة قواعد لتنظيم عقد الوديعة، وبناء تنظيم راسخ له؛ حتى يؤدي دوره في حفظ أموال الناس وتلبية حاجاتهم إليه. والوديعة مستحبة من جانب الوديع؛ وعلى هذا الوديع أن يحفظ الوديعة في الوسيلة التي تحفظ بها عادة أمثالها في عرف الناس.
ويد الوديع على الوديعة يد أمانة، بمعنى: أنه إذا قصَّر في حفظها والحرص على حمايتها من الضياع أو التلف، فإنه يضمن قيمتها إذا ضاعت أو تلفت، كما أنه يضمن قيمتها إذا أخذها وشارك بها في مشروع فخسر المشروع، وهو ملزم بردِّ مثل أو قيمة الوديعة إلى صاحبها؛ لأنه تعدَّى عليها باستعمالها في مصلحته الخاصة، أما إذا لم يُقصِّر ولم يعتدِ على الوديعة ثم فقدت منه فلا شيء عليه؛ لأننا لو ألزمنا المودَع بضمان الوديعة في جميع الحالات، فإن جل الناس لن يقبلوا القيام على حفظ ودائع الناس عنده، وقد يكون ذلك الحفظ ضروريًّا أو أمرًا حاجيًّا لشرائح من المجتمع.
ولا يجوز أخذ الأجرة على الوديعة؛ لأنها قربة إلى اللَّه تعالى عليها؛ إلا إذا كانت الوديعة كبيرة الحجم وتحتاج مكانًا واسعًا لحفظها فيه؛ مما قد يضطر الوديع إلى تأجير هذا المكان لذلك الغرض، وتكون قيمة إيجار مكان حفظ الوديعة على المودِع، ولو احتاجت الوديعة نفقة معينة للحفظ، فإن هذه النفقة تقع على المودِع أيضًا.