آثار التوسُّع في المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية
بقلم الدكتور/ محمد السيد علي حامد
تعمل المصارف الإسلامي وفقًا لمجموعة من الأصول الشرعة التي تنظم سائر أعمالها سواء في جانب الخدمات المصرفية أو الصيغ الاستثمارية، والاستثمار في المؤسسات المالية قائم على مبدأ أن الربح لا يستحق إلا مع “إلا بمال أو عمل أو ضمان”(1)، والمال في الحالة الأولى أساسه المشاركة، أما الضمان فأساسه الملكية، والضمان لا يتصور انفكاكه عن ملكية بوجه ما، ولهذا ينتظم عمل هذه المصارف عدة قواعد هي:
- ملكية الأصول أو الشراكة في ملكيتها.
- الضمان حيث تضمن المصارف الخسارة إن وقعت وتشارك بنسبة معينة على حسب نوع المشاركة ونسبة الملكية.
- العمل حيث يوجد العمل غالبا من هذه المصارف؛ إدارة، أو توكيلا من جانبها في حالة ما سمي بالمضاربة المشتركة.
ومنذ أنشئت المصارف الإسلامية وهي تضع نصب عينها عدة أهداف، منها ما هو استثماري ربحي، ومنها ما هو تنموي حضاري، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو ثقافي إلى غير ذلك من الأهداف التي يمكن أن تتحقق جميعها إذا تم الالتزام برؤية الرواد ومبادئ الشريعة الإسلامية؛ ولهذا كان من التوازن ضروريا لعمل المصارف الإسلامية بين الأهداف الربحية والأهداف الاجتماعية التنموية؛ لأن البنوك الإسلامية باعتبارها إحدى أهم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي في العصر الحديث هي حامل لواء التنمية، وإن معيار التزام البنوك الإسلامية بالشريعة الإسلامية يقاس بمدى التصاقها بالعملية التنموية ورسالتها الإنتاجية الشرعية، فليس الهدف هو مجرد تجميع أموال المسلمين ولكن الهدف هو توظيفها التوظيف الفعَّال في المشروعات التنموية، التي تضيف للناتج القومي وتتيح للمجتمع سلعًا وخدماتٍ في حاجة إليها، وبالشكل الذي يعود فوائده على كل من المودع للأموال، وعلى البنك المستثمر، وعلى المجتمع؛ ولهذا يتحتم أن تعمل البنوك الإسلامية على تطوير خدماتها وتجويدها وتنويعها باستمرار بالشكل الذي يكفل خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويتوافق مع احتياجات مشروعاتها، بل والمساهمة في إنشاء وترويج هذه المشروعات وبما يخدم شعوب الأمة الإسلامية، ويقضي على مشاكلها ويحقق استقلالها الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك انطلاقا من محور عمل هذه المؤسسات، وهو دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق التقدم الاقتصادي لشعوب الأمة والمجتمعات الإسلامية(2).
وقد فرضت هذه المسؤولية التنموية أن تُوازن المؤسسات الإسلامية بين المشروعات ذات الربح والمشروعات ذات العائد الحضاري والاجتماعي، وأن تنوِّع من صيغها الاستثمارية لتحقيق كل هدف من هذه الأهداف، ولهذا تتعدَّد الصيغ التي تعمل وفقها المصارف الإسلامية بين المضاربة، والمشاركة، والإجارات وغيرها من الصيغ التي تقوم على نفس فلسفة الملك والعمل والضمان.
الإطار الشرعي لصيغة المضاربة
عرف الفقه الإسلامي بيع المرابحة وهو بيعٌ يشترط البائعُ فيه أن يبيع السلعة بما اشتراها مع زيادة شيء معلوم من الربح(3)، فهو بيعٌ قائمٌ على أساس بيع سلعة بثمن الشراء مع ربح محدد فوق هذا الثمن.
وقد استدعت المصرفية الإسلامية هذه الصيغة إلى إطار عملها فظهرت فكرة “المرابحة للآمر بالشراء”، وأول من تحدث عن ذلك هـو الدكتور سامي حمود في رسالته للدكتوراه سنة 1976م، وهي صيغة يصاحبها وعد من العميل بالشراء عند إحضار المصرف للسلعة محل المساومة، وقد يتحوَّل الوعد إلى مواعدة من كلا الجانبين، من العميل بالشراء ومن البنك بالبيع(4).
وتهدف هذه الصيغة إلى توفير سلعة لأحد العملاء على أساس ربح مضاف للسعر الذي يدفعه البنك في هذه السلعة، ويصاحب هذه العملية وعدٌ أو مواعدةٌ من الجانبين.
وتساعد هذه الصيغة على توفير السلع الإنتاجية والاستهلاكية للعملاء، خاصة إذا كانت هذه السلع لا تتوفر في السوق المحلي وتحتاج إلى إجراءات معقَّدة للاستيراد قد لا تكون في مكنة العميل، فإذا تعاقد مع البنك على شرائها فإنه يضمن توفير مزيد من الجهد والتعب، وبالإضافة إلى ذلك فإن العميل قد لا يملك ثمن السلعة نقدًا ولا يقدر على شرائها إلا مع التقسيط أو الأجل، فيفيد من إمكانية التقسيط للبنك وفقًا لنظام معين من الأقساط بالاتفاق مع البنك.
ومع الوعد الذي يصاحب هذه المعاملة من العميل أو من البنك أو من كليهما، يتفادى البنك مخاطر النكول ويتفادى العميل مخاطر الرجوع من قبل البنك، لو فرض أن السلعة قد ارتفع ثمنها أثناء انتقال السلعة إلى البنك في مدة الانتظار، وبهذا تتميز هذه الصيغة بضآلة المخاطرة، فإن وعد العميل بالشراء يكفي البنك مخاطر النكول، ويضمن له ربحا مقطوعا، ومخاطر أقل فيما لو اعتمد البنك على إحدى الصيغ الاستثمارية الأخرى (المضاربة المشاركة الإيجار) أو غيرها من الصيغ متوسطة وطويلة أجل الاستثمار، والتي تحتاج منه إلى عمل، وإدارة، وتنظيم، وغيرها من الأعمال التي تنطوي على مخاطر أكبر بكثير من صيغة المرابحة، فضلا عن استمرار دورة المال لمدة تطول عن دورة المرابحة.
إن صيغة المرابحة بهذا الوصف هي صيغة كفءٌ لاستثمار آمن، وهي آلية مرنة للبنك وللعملاء على حد سواء، ففي حين يحصل البنك على عائد مناسب مع مخاطرة قليلة، فإن العميل كذلك يحصل على تمويل لسلعته خاصة لو تمت المرابحة بصيغة البيع الآجل.
وبعيدا عن الآراء التي تخرج المرابحة من دائرة المشروعية، فإن الأدلة الشرعية تشمل هذه الصيغة بالجواز إذا التزم المتبايعان بالضوابط الشرعية لهذه المعاملة، والتوصيف الفقهي لا يخرج هذه صيغة عن الإطار الذي يقوم عليه عمل المصارف الإسلامية، فالمرابحة تقع ضمن دائرة الضمان الذي يستحق به الربح، إلى جانب بعض الأعمال التي يقوم بها المصرف في سبيل استيراد السلعة وإحضارها قبيل تسليمها للعميل، والسلعة قبيل تسليمها للعميل من ضمان المصرف، فخيار العيب ومخاطر التلف أعباء ومخاطر محتملة على المؤسسة الإسلامية، هذا فضلًا عن مخاطر الائتمان، ومخاطر سعر الفائدة، حيث إن الزيادة المرتبطة بأجل المرابحة ثابتة ولا يستطيع البنك أن يتحكم فيما هذه العوائد مع تغير أسعار الفائدة.
بيع المرابحة للآمر بالشراء في إطار الدور التنموي للمصارف الإسلامية:
تعتبر صيغة المرابحة للآمر بالشراء من الصيغ الاستثمارية الكفء إذا ما نظرنا إلى العوائد التي يحققها الاستثمار في هذه الصيغة وضآلة المخاطرة، وذلك مقارنة بالصيغ التشاركية التي تمثلها صيغ مثل المضاربة، أو المشاركة وغيرها من الصيغ التي يتمثل فيها اقتران رأس المال بالعمل وتحمُّل مخاطر العملية ربحًا وخسارة، وتصلح لتمويل قطاعات التنمية، كالصناعة مثلا، ولكنها من جانب آخر تجر البنك إلى المشاركة في الإدارة أو الإشراف عليها، وإلى تدقيق الحسابات، وتدخله في متاهات المصروفات والتسويق وغير ذلك مما لا تتحمله عادة أجهزة البنوك، كما أن الخسارة الناتجة عن سوء الإدارة يتحمل البنك نتائجها.
لذلك كان من الضروري توزيع استمارات البنك بين الصيغ المختلفة، لتقليل نسبة المخاطرة، حتى لا تتعرض أموال المودعين والبنك لمخاطر مالية تفوق طاقته وتهدر قدرته الاستثمارية، لكن الذي حدث في رأيي ليس توزيعا للاستثمارات بقدر ما هو اتجاهٌ جارفٌ إلى الاستثمار في المرابحة على حساب الصيغ الأخرى، وهو ما يمكن أن يخلَّ بالأهداف التنموية للمصارف الإسلامية ويؤدي إلى أضرار تمس الجوانب المختلفة للاقتصاد يحصرها الدكتور جمال الدين عطية فيما يلي:
- مفارقة النموذج والمثال الذي تقوم عليه المؤسسات المالية الإسلامية، وهو نموذج التنمية والتشاركية، بعيدا عن البحث عن عوائد شبه مضمونة على العمليات، وصيغة المرابحة لا تختلف عن ذلك، إذ إن عائد التمويل يتمثل في صورة هـامش مرابحة محددٍ مسبقًا ولا يرتبط بنتيجة نشاط العميل الذي اشترى البضاعة بالمرابحة.
- أن المجال الرئيس لبيع المرابحة هـو في القطاع التجاري، وإن كان يستعمل كذلك في تمويل رأس المال العامل في القطاعين الصناعي والزراعي، إلا أن ذلك محدودٌ إذا قورن بالتجارة.
- أن المجال الرئيس للتمويل بالمرابحة هـو في التجارة الخارجية أكثر منه في التجارة المحلية، وخاصة في مجال الاستيراد أكثر منه في مجال التصدير، وغالبًا ما تستعمل في قطاع الاستيراد الذي يؤدي تشجيعه إلى اختلال الميزان التجاري، وإلى انخفاض سعر العملة المحلية(5).
هل صيغة المرابحة تسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية؟
على الجانب الآخر يرى بعض الباحثين أن صيغة المرابحة ذات آثار تنموية تعزِّز من قيمتها كصيغة استثمارية تُلبِّي متطلبات اقتصادية واجتماعية متنوعةً مثل شراء الآلات والمعدات التي يرغب العميل في اقتنائها، ويطلب من المصرف الإسلامي أن يشتري له ما يرغب فيه مقابل سعر التكلفة، مضافًا إليه مقدار مناسب من الربح، ويعرض المصرف على العميل المعاملة بمنتهى الشفافية. إلى جانب ذلك فإن المصرف الإسلامي يلتزم بتزويد العميل باقتناء ما طلبه وفق المواصفات التي حددها، وإذا كان الوضوح رائد هذه العملية، والالتزام بالشروط المتعاقد عليها بين الطرفين فإن القواعد الاقتصادية والاجتماعية تكون عظيمة، فكم من المشاريع الاقتصادية ساهمت فيها المصارف الإسلامية وكان لها المردود الاجتماعي الكبير؛ من حيث التقليل من حيث البطالة ودفع العجلة الاقتصادية، وتوفير ما يلزم من السلع والخدمات التي يحتاج إليها المجتمع، وما أحوجنا إلى هذا النوع من التعامل الذي يبعث حركية في المجتمع(6).
وهذا الفرض قائم فيما لو كان التمويل بالمرابحة متجهًا إلى تمويل شراء السلع الإنتاجية، أما إذا كانت هذا التمويل متجِّها إلى شراء السلع الاستهلاكية متوسعًا في استيراد السلع الترفيهية والكمالية فإننا نواجه جملة من التبعات من شأنها أن تؤثر سلبًا على الاقتصاد القومي على النحو السابق، فمع التسهيلات التي تمنحها البنوك في المرابحة ونظم التقسيط المختلفة يزداد الطلب على سلع الخارج، فتقل معدلات الادخار ويتأثر قطاع الاستثمار وتذهب المدخرات في مجموعة من السلع الاستهلاكية، ومثل هذه الآثار تؤكد على ضرورة عدم التوسع في مثل هذه الصيغة بوضع سقف أعلى لهذا النشاط سواء من أموال المودعين أو أصول البنك ذاته، في حين تتجه البقية الباقية إلى الاستثمارات الحقيقية القائمة على المضاربات والمشاركات الزراعية والصناعية وغيرها، وهذا يضمن للبنوك الإسلامي اتساقها مع النموذج النظري الذي وضعه الرواد لهذه المؤسسات كمؤسسات تنموية تجسد مبادئ الاقتصاد الإسلامي المتجهة نحو التنمية وتحقيق الإعمار ومقتضيات الخلافة على الأرض، وتلك هي إحدى خصائص المصارف الإسلامية التي تجسد الترابط التام بين التنمية الاقتصادية و التنمية الاجتماعية في أُطر متوازنة وتنسيق متكامل صحيح، فيسير العمل من أجل توفير الرخاء الاقتصادي وتحقيق الوفرة المالية، إلى جانب تنمية المجتمعات وتحسين جودة الحياة الاجتماعية من خلال المشروعات التنموية أو الجهود الاجتماعية.
وبهذا يتم توسيع حجم الأنشطة الاستثمارية الحقيقية، من خلال الصيغ الإنتاجية ومن خلال الاتجاه بالمرابحة نحو السلع الإنتاجية، وبهذا تعود البنوك الإسلامية إلى الاشتباك مع أهدافها التنموية والاتساق مع النموذج والمثال الذي قام عليه عمل هذه المؤسسات.
هل المرابحة إحدى صور الاحتيال على الفائدة؟
مع أن نظام عمل البنوك الإسلامية قائم على القطيعة مع فلسفة ونظام الفائدة الذي تقوم عليه البنوك التقليدية، فإن هذه البنوك تعتمد في تقدير أرباح المرابحة على نسب الفائدة المنتشرة في السوق، وباتت أرباح المرابحة تتبع نسب الفائدة فتساويها أو تتفوق عليها في بعض الأحوال، مما شكك في نزاهة النموذج وجعل البعض يزعم أنه لا فرق بين النموذج الإسلامي والنموذج التقليدي.
وفي أحسن الأحوال كانت التساؤلات تثار من هنا وهناك عن الفرق بين النموذجين، مع هذا الارتباط الملحوظ بين هذا وذلك، وهو ارتباط دلَّت عليه الملاحظة الواعية، والدراسات التي اعتمدت على المنهج القياسي والاعتراف أحيانا من مديري البنوك الإسلامية.
أما أن المرابحة خارج دائرة الربا فهذا ما لا يحتاج إلى تأكيد؛ وذلك بدلالة الفلسفة التي يقوم عليها كل من النموذجين، فنموذج الفائدة نموذج ربويٌّ لا شك فيه أما نموذج المرابحة فالسلعة من ضمان البنك وهو يتحمل مخاطر التلف والتعيُّب بل ومخاطر النكول، وغير ذلك، إلى جانب أنه ينفق في جلب السلعة جهدًا ووقتًا ومثل هذه النوع من العمليات لا يمكن أن يكون مجرد تمويل كما هو واقع المعاملات القائمة على الفائدة.
أما لماذا يسترشد البنك الإسلامي بنموذج الفائدة؟ ولماذا عادة ما تكون أعلى من معدلات الفائدة (مما يغري أحيانا بعض المتعاملين باللجوء إلى المصارف التقليدية)، فهو منظور فيه إلى وجود المخاطر المتعددة خاصة مخاطر الائتمان وعدم السداد، إلى جانب مخاطر تغير أسعار الفائدة، ومخاطرة تغيُّر أسعار الفائدة العالمية، وهي مخاطر تستطيع المصارف التقليدية توقيها، من خلال غرامات التأخير، ومن خلال معدلات مرنة للفائدة قد تتغير يوميا، وفي مقابل ذلك فإن البنوك الإسلامية ممنوعة من زيادات التأخير، ومن إعادة جدولة الدين، ومن هنا تحتاط لنفسها برفع معدلات الربح مسبقًا حتى تستطيع أن تغطي المخاطر إن وقعت.
وهذا التفسير فيه شيء من الحقيقة إلا أنه لا يجسِّد رأس الأزمة، الذي يتمثَّل -في رأي أستاذ الاقتصاد الإسلامي دكتور فياض عبد المنعم- في غياب نموذج معياري يحكم عمل المصارف الإسلامية، ويجسِّد قيمها وقواعدها وأهدافها الاستراتيجية، وتصدر عنه مختلف سياساتها التمويلية (منح التمويل)، والادخارية (جذب المدخرات)، ومع غياب هذا النموذج ومع السعي في التنافس بينها وبين البنوك التقليدية في جذب المدخرات، اعتمدت البنوك الإسلامية نموذج الفائدة في البنوك التقليدية كأساس لتقدير معدل الربح في المرابحات، فباتت تحدد هذا العائد بناء على أسعار الفائدة السائدة ارتفاعا وانخفاضًا، مما أدخلها في دائرة مفرغة في محاولة منها للمنافسة وفي توقِّي المخاطر المختلفة التي تواجهها في مثل هذه العمليات، ومع فقدان هذا النموذج افتقدت المرونة الكافية لأداء أعمالها في جو من الاستقلالية.
وذلك في الوقت الذي تمتَّع فيه البنك التقليدي بآلية الفائدة المرنة، التي تمكِّنه من توليد العوائد من صور متعددة؛ كسعر الفائدة علي الإقراض، والفوائد علي التأخير في الأقساط، والفائدة علي أشكال الائتمان المتنوعة، والضمانات والتعهُّدات، والسحب علي المكشوف الدائر والاعتمادات الدوارة المتجددة، وأدوات الدين قصيرة الأجل، والمتاجرة بها في الأجل القصير جدا..الخ، إلى غير ذلك مما يُدرُّ عوائد مستمرة تتيح للبنك التقليدي أن يمنح فوائد أعلي من العائد الموزَّع في البنك الإسلامي، الذي تُجاهد إدارته بشق الأنفس لمواكبة مستويات الفائدة علي الودائع التقليدية، فتعمد تحت هذا الضغط التي وضعت نفسها فيه، إلي رفع معدل الربح علي التمويل بالمرابحة، فتظل تدور في هذه الدائرة إلى أن تجد لنفسها نموذجًا معياريًّا يساعدها على تحقيق أهدافها التتي وضعها الرواد.
إننا إذًا -وفق هذا الطرح الفريد- في حاجة إلى أن تحشد المؤسسات الداعمة للمصرفية الإسلامية جهودها وإمكانياتها لصياغة هذا النموذج المعياري، وإذا لم تتم صياغة هذا النموذج المعياري فإن المصارف الإسلامية ستظل في موقعها دون تقدُّم ملحوظ نحو تحقيق الأهداف والغايات والمقاصد والطموحات، التي كانت هي الدافع وراء قيام المؤسسين الرواد بتأسيس البنوك الإسلامية.
والخلاصة: أن التوسع الذي تشهده المصارف الإسلامية في عمليات المرابحة لا يعبِّر عن الصبغة التي تتميز بها المؤسسات الإسلامية؛ كمؤسسات تنموية تقوم على التشاركية، والإنتاج، وتنمية المجتمعات، والمسؤولية الاجتماعية، فضلا أن مُضيَّها في ركاب المصارف التقليدية قد يخلع عنها صبغتها الأساسية ويقترب بها من فلسفة هذه المؤسسات وعليه ينبغي العمل على ما يلي:
- وضع نسب محددة للتعامل بصيغ المرابحة في ضوء أولويات التمويل في الاقتصاد الإسلامي (الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات أو الكماليات)، في إطار سلة محددة من السلع لكل منها نسبة معينة لا تتجاوزها، بحيث لا تتَّسع عمليات المرابحة على السلع الكمالية والترفيهية على حساب السلع الإنتاجية.
- العمل على إيجاد نموذج معياري يحكم عمل المصارف الإسلامية، ويجسِّد قيمها وقواعدها وأهدافها الاستراتيجية، وتصدر عنه مختلف سياساتها التمويلية (منح التمويل)، والادخارية (جذب المدخرات)، يقوم على أسس شرعية ومحاسبية مستقلة، دون تأثر بشكل من الأشكال بنظام الفائدة.
(1) ينظر: تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 هـ – 1994م (3/ 8).
(2) ينظر: البنوك الإسلامية، محسن الخضيري، كتاب الحرية، القاهرة، ط1، 1990م (ص: 31) المؤسسات المالية الإسلامية، صالح حميد العلي، دار النوادر، بيروت لبنان، ط1، 2008م (ص: 106).
(3) ينظر: التعريفات، السيد الشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية بيروت -لبنان، الطبعة: الأولى 1403هـ -1983م (ص: 210) والتعريفات الفقهية، محمد عميم الإحسان البركتي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1424هـ – 2003م (ص: 200).
(4) هناك خلاف بين العلماء في إلزامية الوعد بين وجوب الوفاء به مطلقا وبين الاستحباب وعدم الوجوب، وبين الوجوب إذا تضمن آثارا بعد عملية المواعدة كما لو كان الوعد معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة، وهذا ما اختاره مجمع الفقه الإسلامي حيث في قراره بالدورة الخامسة التي عقدت بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ، قرار رقم 2، 3 على ما يلي: “ثانيا: الوعد: (وهو الذي يصدر من الآمر، أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزما للوعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد.
ينظر: المعاملات المالية المعاصرة، محمد عثمان شبير، دار النفائس الأردن، ط1، 1996م (ص: 265). المؤسسات المالية صالح العلي (ص: 177).
(5) ينظر: : البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم والتقليد والاجتهاد والنظرية والتطبيق، جمال الدين عطية، كتاب الأمة، ط1، 1407هـ (ص: 187).
(6) ينظر: المؤسسات المالية صالح العلي (ص: 545).