الغرر وأثره في التصرفات المالية أقسام الغرر الذي يدخل على العقود

بقلم الأستاذ الدكتور/ عزُّ الدِّين بن زغيبة
أستاذ الفقه والأصول والمقاصد
ورئيس هيئة الرقابة والفتوى في عدد من المصارف الإسلامية

إن من بين أسباب الخلاف الحاصل بين العلماء في فساد أعيان العقود هو اختلافهم فيما فيها من الغرر، وهل هو في حيِّز الكثير الذي يمنع الصحة، أو في حيز القليل الذي لا يمنعها؟

1. الغرر اليسير:

أجمع الفقهاء على أن يسير الغرر إذا دخل على العقود لا يُلتفت إليه ولا عبرةَ به؛ لأنه لا يكاد أن يخلو عقد منه
قال أبو الوليد الباجي: “أما يسير الغرر فإنه لا يؤثِّر في فساد عقده؛ لأنه لا يكاد يخلو عقد منه”(1).
وقال الخرشي: “الغرر اليسير يُغتفر إجماعًا، لكن حيث لا يُقصد؛ كأساس الدار المبيعة، وإجارتها مُشاهرةً مع احتمال نقصان الشهور، وكالحبة المحشُوَّة واللحاف…… خرج بقيد عدم القصد؛ كبيع الحيوان بشرط الحمل، والتقيُّد بالحاجة بيانًا للواقع، إذ البيع أصله من الأمور الحاجية”(2).

  • ومما يدخل تحت هذا المعنى من الفروع منعُ شراء ثمر الحائط كيلاً على تركه ليصير تمرًا، وجواز شرائه جزافًا على ذلك؛ لأن ضمان المكيل من بائعه فيما قلَّ أو كُثُر، والجزاف لا ضمان على البائع فيه إلا ضمان الجائحة، فكان الغرر في الجزاف يسيرًا فلم يمنع من صحة البيع وكثر في المكيل فمنع.
  • ومن صور العقود التي اتَّفق الفقهاء على أن ما بها من الغرر هو من اليسير الذي لا يؤثر في صحتها: بيع الحبة المحشُوَّة وإن لم يُر حَشوُها.
  • بيع الدار وإن لم يُرَ أساسها.
  • الإجارة على دخول الحمّام والشرب بعوضٍ من ماء السَّقَّاء، مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء، ومُكثِهم في الحمام.

2. الغرر الكثير:

إن المعتبر من الغرر في العقود هو الكثير الذي يغلب عليها حتى توصف به، وقد ذكر الباجي في شرح نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر أنه ما كُثر فيه الغررُ وغلبَ حتى صار البيعُ يوصَف ببيع الغرر، ويرى أن هذا النوع هو الذي لا خلاف في المنع منه(3).
وقال ابن رشد الجد: “وبيع الغرر: هو البيع الذي يكثر فيه الغرر ويغلب عليه حتى يوصف به، لأن الشيء إذا كان مترددا بين معنيين لا يوصف بأحدهما دون الآخر إلا أن يكون أخص يه وأغلب عليه(4).
والمفسدة التي علل بها منع بيع الغرر هي كونه مظنة للعداوة والبغضاء وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد قال المقري في قواعده: (من مقاصد الشريعة صون الأموال عن الناس، فمن ثم نهي عن إضاعتها وعن بيع الغرر والمجهول)(5).
ومن صور العقود التي اتفق الفقهاء على أن ما بها من الغرر هو من الكثير الذي يؤثر في صحتها:

  • بيع الحصاة.
  • بيع الملامسة.
  • بيع المنابذة.
  • بيع المجهول الذات من غير أن يكون للمشتري حق في تعيينه.
  • بيع مجهول الجنس أو النوع.
  • بيع الحمل دون أمه.
  • بيع المضامين والملاقيح.
  • بيع المزابنة.
  • بيع المحاقلة.
  • بيع ضربة الغائص.
  • بيع حبل الحبلة.
  • تأجيل الثمن إلى أجل مجهول حصوله.
  • بيع المرء ما ليس عنده.
  • بيع الثمر قبل ظهوره.
  • السلم فيما لا يغلب وجوده عند حلول الأجل.

3. الغرر المتوسط أو المتردد بين القلة والكثرة.

أجمع الفقهاء على أن الغرر الذي يؤثِّر في العقد هو الغرر الكثير، أما الغرر اليسير فلا تأثير له مطلقًا، والاختلاف الواسع بين الفقهاء الذي شهدناه في أثر الغرر على عقد البيع وعقود المعاوضات المالية الأخرى لا يرجع إلى الاختلاف في أصل القاعدة، وإنما يرجع إلى اختلافهم في تطبيقها وهذا يكون في الحالات الوسط، التي يتردّد فيها الغرر بين الكثير واليسير، فيُلحِقُه فقيهٌ بالكثير ويُفسِد به العقد، ويلحقُه فقيهٌ آخر باليسير فيصحِّح معه العقد.
قال الباجي: “وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود لاختلافهم فيما فيها من الغرر، هل هو في حيز الكثير الذي يمنع الصحة، أو في حيز القليل الذي لا يمنعها”(6).
ومن صور العقود التي اختلف الفقهاء في حكم صحتها وفسادها، لاختلافهم في تقدير الغرر اللاحق بها، هل هو من الكثير الذي يؤثِّر في صحتها، أو هو من القليل الذي لا يؤثِّر في صحتها:

  • البيع المعلق والمضاف.
  • بيع ما يكمن في الأرض.
  • بيع ما يختفي في قشره.
  • بيع العرايا.
  • بيع الجزاف.
  • بيع الصوف على ظهر البهيمة.
  • بيع اللبن في الضرع.
  • البيع بغير ذكر الثمن.
  • البيع بسعر السوق.
  • البيع بربح نسبة مئوية من الثمن.
  • تأجيل الثمن إلى الميسرة.
  • بيع الآبق.
  • بيع السمك في الماء، والطير في الهواء.
  • بيع المشتري المبيع قبل قبضه.
  • بيع المغصوب.
  • بيع الثمر قبل بدوِّ صلاحه بشرط الترك.
  • بيع الزرع الذي يوجد بعضه بعد بعض.
  • بيع العين الغائبة.
  • السلم الحال.
  • إجارة الأرض.
  • المزارعة.
  • إجارة الشجر للثمر.
  • الجعالة.
  • شركة الأبدان.
  • شركة الوجوه.
  • شركة المفاوضة.
  • المضاربة المؤقتة.

4. تقسيم الشيخ محمد علي للغرر.

سلك الشيخ محمد علي حسين مفتى المالكية بمكة المكرمة (ت 1367هـ) فيكتابه ” تهذيب الفروق والقواعد السنية” طريقة أخرى في تقسيم الغرر اعتمد فيها على مدى تحقُّق حصول المعقود عليه، وعدم حصوله، وهل سيحصل تامًّا أو أغلبيًّا، أو يحصل ناقصًا لايؤدّي غرضه المبتغى منه، أو لا يحصل أصلًا فقال:

  1. ما لا يحصل معه المعقود عليه أصلًا.
    ما يحصل معه المعقود عليه دنيًّا ونزرًا.
    ما يحصل معه غالب المعقود عليه.

ثم قال: فيجتنب الأولان ويغتفر الثالث(7).
إلا أن الدكتور الضرير قد انتقد هذا التقسيم لكونه غير واضح المعنى وغير شامل لجميع أنواع الغرر، وعلّل انتقاده هذا بأن التقسيم المذكور يدور حول حصول المعقود عليه وعدم حصوله، مما يشعر بأن قائله يتحدث عن الغرر في وجود المعقود عليه فقط(8).

(1) المنتقى شرح الموطإ (5/ 41).
(2) شرح مختصر خليل للخرشي (5/ 75).
(3) المنتقى شرح الموطإ (5/ 41).
(4) المقدمات الممهدات، لابن رشد (2/ 71).
(5) قواعد المقري (ص: 466).
(6) المنتقى شرح الموطإ (5/ 41).
(7) الفروق للقرافي (1/ 170).
(8) ينظر: الغرر للشيخ الضرير (ص: 95) وما بعدها.

Comments are disabled.