مدى الإفادة من الصكوك في استثمار الوقف
بقلم الأستاذ الدكتور/إبراهيم عبد الحليم عباده
أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية-جامعة اليرموك/الأردن
أصبحت الحاجة ماسة في الواقع العملي اليوم لوجود أدوات مالية منضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية، ولها كفاءة عالية قادرة على استيعاب الفوائض المالية تسهم في تفعيل النشاط الاقتصادي، من خلال أدوات متنوعة المخاطر.
وتشكل الصكوك مصدراً رئيساً من مصادر تمويل التنمية، والحل الأبرز لتمويل مشاريع التنمية بما يتوافق مع المشروعية، فحملة الصكوك ينشئون المشروع أو يوسعونه بأموالهم، ودور الحكومة إدارة هذا المشروع، فإن ربح المشروع استحق حملة الصكوك نسبة من هذا الربح بحسب الاتفاق واستحق مدير المشروع الباقي، وإن خسر المشروع دون تعد أو تقصير يتحمل حملة الصكوك الخسارة، ويمكن لمدير الصكوك، مضارباً كان أو شريكاً مديراً أو وكيل استثمار أن يملك المشروع من خلال شرائه من حملة الصكوك على أجزاء مُستخدماً حصته في ربح المشروع في دفع الثمن، ويمكن أن يحصل على حصته في الربح ثم يشتري المشروع دفعة واحدة في نهاية المدة؛ فالصكوك مصدر حیوي وقابل للاستمرار. وقد بلغ مجموع إصدارات الصكوك الإسلامية حول العالم على سبيل المثال في عام 2020م ( 174) مليار دولار، مقارنة بعام 2019م حيث بلغت الإصدارات حوالي (162) مليار دولار.
والحديث عن الصكوك حديث عن التمويل وأساليبه من خلال الجمع بين وحدات العجز ووحدات الفائض وهي: القرض، المشاركة، البيوع التمويلية، فكل ما يثبت كصيغة يمكن توثيقه بصك.
وفيما يتعلق بمشروع الصكوك الوقفية محل هذه المقالة فيمكن الإشارة إلى أن للواقف النص صراحة على استثمار الأصل الموقوف إما مباشرة، أو بجزء من ريعه، أو استثمار الريع، أو جزء منه، أو يترك ذلك كله دون تحديد، وهذه الصور تمثل مجالاً واسعًا لأهل الخير ممن يريدون وقف أموالهم، مع تحديد سبل المحافظة على الأصول الوقفية وتنميتها مستقبلاً وفق خطة مناسبة من خلال استثمار نسبة معينة من الريع، مما يؤدي إلى الزيادة المستمرة لأصولهم الموقوفة، ويمكن للواقف أن يجعل هذا الأمر من شروطه التي ينبغي مراعاتها؛ وهي اشتراطات معتبرة ومقبولة يجب العمل بها؛ ولأنها لا تنافي مقتضى عقد الوقف، والقول بجواز الاستثمار ظاهر وبارز، ولكن حيثما ورد القول بجواز الاستثمار، وحيث إن الاستثمار من خلال التصكيك من أهم الأساليب المعاصرة الممكنة بالإضافة إلى أساليب الاستثمار الأخرى.
يمكن استثمار أموال الوقف بأدوات الاستثمار الشرعية التي تتسم بالكفاءة الاقتصادية، وقلة المخاطرة، والإفادة من الصكوك الإسلامية الجائزة والتي تخدم أغراض الوقف الاقتصادية والاجتماعية ضمن الضوابط الشرعية والقانونية الخاصة بكل نوع منها(1)، ومن صور هذه الصكوك الوقفية:
صكوك الوقف العلمي:
وهي صورة من صور الصكوك حيث يشتريها الأفراد والشركات والتجار وغيرهم فستصبح إمكانيات هذا الوقف أكبر بكثير، وحينها سنجد الأعداد الكبيرة من طلاب العلم المستفيدين من هذا الوقف الهام.
ويمكن تعريف “الصكوك الوقفية” بأنها: “وﺛﺎﺋﻖ أو ﺷﻬﺎدات خطية ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ للتداول تمثل المال الموقوف وتقوم على أساس عقد الوقف”(2).
وقد جاء في المعيار الشرعي رقم (17) لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أن الصكوك الإسلامية الاستثمارية تعرف بأنها: “وثائق متساوية القيمة تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله”. وقد تنوعت صكوك الاستثمار الإسلامية بتنوع صيغ الاستثمار التي اعتمدت في تحديد علاقة المتمول الذي يصدرها بالممولين الذين يكتتبون فيها(3).
وبناء على هذا المفهوم ستعرض المؤسسات الإسلامية (المتمول) هذه الصكوك للاكتتاب فيها من قبل الجمهور على أساس التبرع في رأس المال لجهة وقفية من جهات البر المتعددة، وتكون فيها المؤسسة
- إما شريكًا: وعندها تكون الصكوك صكوك مشاركة.
- وإما مضاربًا: فتكون صكوك مضاربة (مقارضة).
- وإما وكيلاً: عنهم فتكون صكوك الوكالة بالاستثمار.
- وإما بائعًا لعين مؤجرة أو قابلة للتأجير: فتكون صكوك ملكية الأعيان المؤجرة …وهكذا تتنوع الصيغ وتتعدد بتعدد صيغ الاستثمار الإسلامية(4).
ومن الصكوك المشروعة والتي تتعامل بها المؤسسات المالية الإسلامية صكوك المقارضة (المضاربة) وهي أدوات استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال المضاربة حيث يمثل مجموع المالكين رب المال، ويكون الطرف الآخر هو المضارب، ويتم إصدار صكوك المقارضة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس المال بنسبة ملكية كل منهم(5).
وتستطيع المؤسسة المالية الإسلامية استقبال أموال الوقف من خلال الصكوك بتوجيهها إلى مشروعات استثمارية كبيرة وطويلة الأجل توجه أرباحها إلى الجهات الخيرية المستفيدة من أموال الوقف.
ومن طرق الاستفادة من هذه الصكوك الوقفية:
أولا: فئة الواقفين، فإن مشتري الصك الوقفي يكون ممولاً لهذا الوقف، وكما تقدم في التعريف فإن الصك قائم على أساس عقد الوقف، فهو لا يشتري ليبيع ويربح، بل يشتري السهم ليدعم هذا الأصل الوقفي.
ثانيا: فئة الموقوف عليهم، فإن استفادة الجهات المستفيدة تكون بعدة طرق، وقد تم تطبيق بعضها عمليًّا في بعض المؤسسات الوقفية.
وتكمن أهمية الصكوك الوقفية في أنها من الطرق الناجعة والمستحدثة في تجميع الموارد المالية المتناثرة لدى جمهور الراغبين في وقف أموالهم في مشاريع كبيرة وناجحة لما يترتب عليها من آثار طيبة في الواقع الاجتماعي، حيث يمكن عن طريق تجميع هذه الموارد إقامة المشاريع الكبيرة، التي لا يتسنى لصغار الملاك أن يقيموها كل على حدة. كما بين إمكانية استحداث تعريف لهذا المصطلح الجديد (الصكوك الوقفية) على أنها الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها للجهة الموقوف عليها، أو من يمثلها وذلك بقصد تنفيذ مشروع وقفي معين، واستغلاله، وتحقيق الغايات والحاجات الوقفية المقصودة منه، سواء كانت هذه الحاجات اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو غير ذلك(6).
(1) انظر حول صيغ الاستثمار الوقفي وآلياته القديمة والحديثة، السبهاني، عبد الجبار، اقتصاديات الزكاة والوقف، ص199-209.
(2) نقاسي، محمد إبراهيم، اﻟﺼﻜﻮك اﻟﻮﻗﻔﻴﺔ ودورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ من ﺧﻼل ﺗﻤﻮﻳﻞ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﺄﻫﻴﻞ وأﺻﺤﺎب المهن والحرف، جامعة العلوم الاسلامية الماليزية، ماليزيا، ص12، على الرابط: http://conference.qfis.edu.qa/app/media/340
(3) المعايير الشرعية النص الكامل للمعايير الشرعية،2015، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، الأيوفي، البحرين،2015.
(4) السبهاني، المرجع السابق نفسه، ص182-187.
(5) صوان، محمود حسن، أساسيات العمل المصرفي الإسلامي، دار وائل للنشر، ط2، 2008، ص127
(6) وقائع وتوصيات ورشة عمل حول الوقف والتنمية المستدامة في الأردن،14/7/2009، ص6، وانظر أيضاً العمري، محمد، الوقف والتنمية المستدامة (حالة تطبيقية مقدمة إلى الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)