دور الاقتصاد الرقمي في النهوض بالاقتصاد الإسلامي وتطوير مؤسساته

بقلم الدكتور/ رامي عيد مكي

يشهد العالم تطوُّرًا تكنولوجيًّا متسارعًا في مجال التقنيات الرقمية، والذي أدى بدوره إلى تحول كبير في الأنظمة الاقتصادية، حتى أصبح الاقتصاد الرقمي محورًا أساسيًّا في العديد من المجتمعات المعاصرة، وأصبح التحوُّل نحوه مسارًا إجباريًا على المجتمعات لا توجُّهًا اختياريًّا، وذلك لما قامت به الرقمنة من إحداث تغييرات جوهرية في النظام العالمي، وتشير الإحصائيات المختلفة إلى معدلات تحول الاقتصاديات العالمية نحو الرقمنة، والمتوقع أن تصل مساهمة المنصات المدعومة رقميًا إلى ما يقارب 70% من القيمة الجديدة التي سيتم إنشاؤها على مدى العقد المقبل .
وحيث إن النظام الاقتصادي الإسلامي بمؤسساته الربحية وغير الربحية يُعدُّ جزءًا من الاقتصاد العالمي؛ فهو ليس بمنأى عن هذه التحوُّلات والتغييرات الحادثة، ويمثِّل هذا التحول العالمي نحو الاقتصاد الرقمي فرصةً نادرة للاقتصاد الإسلامي للانطلاق نحو العالمية الحقيقية، فالاقتصاد الرقمي ليس مجرد أدوات جديدة، وإنما هو تحول مفاهيميٌّ شاملٌ، يمثِّل إحدى الدعامات الأساسية لدخول الاقتصاد الإسلامي في المرحلة الثانية والجديدة من حياته -باعتبار أن المرحلة الأولى تتمثَّل في إنشاء المؤسسات الاقتصادية الإسلامية والتي بدأت قبل نحو خمسين عامًا- ويعود ذلك للعديد من الأسباب من أهمها ما يلي:

  • إمكانية الإبداع والابتكار والتخصُّص المتميز للنظام الاقتصادي الإسلامي في ظل المرحلة الجديدة من موجة الاقتصاد الرقمي، وذلك على العكس من المرحلة الأولى للاقتصاد الإسلامي والتي أنشئت ونقلت مؤسسات غربية حاولت أسلمتها، وقد كانت هذه المؤسسات تعمل في رحم منظومات قانونية واقتصادية ومالية وإدارية غربية وغير إسلامية، لذلك لم تستطع تلك المؤسسات الإسلامية الناشئة تحقيق التميُّز، بل أصبح بعضها صورة شبه مكررة من المؤسسات غير الإسلامية، وبالتالي استمرت ريادة المصرفية التقليدية الرأسمالية في جميع الأصعدة، وأصبحت المصرفية الإسلامية تابعًا شديد الولاء لتلك المصرفية التي ما نشأت المصرفية الإسلامية إلا للخروج من أدواتها ومفاهيمها العملية والحضارية.
    لذلك سيتيح الاقتصاد الرقمي فرصة دخول الاقتصاد الإسلامي مرحلة جديدة على قدم المساواة مع الأنظمة الاقتصادية الأخرى.
  • يُعد الاقتصاد الرقمي فرصة كبرى لانطلاقة معاصرة وجديدة لقطاعات الاقتصاد الإسلامي غير الربحية -لاسيما مؤسسات الزكاة والأوقاف والقرض الحسن- التي عانت طوال العقود الماضية من التهميش التام من قبل المشتغلين بالاقتصاد الإسلامي، ومن أمثلة ذلك إمكانية استخدام منصات التمويل الجماعي Crowd funding لتمويل هذه المؤسسات، واستثمار العديد من الأفكار والأدوات الرقمية في النهوض بهذه المؤسسات(1).

كما يعد الاقتصاد الرقمي إحدى الفرص الرئيسية للابتكار في مجال التمويل الإسلامي، ويمكن الإشارة إلى بعض جوانب أهمية الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز مجال التمويل الإسلامي من خلال النقاط التالي:

  1. قدرة التكنولوجيا المالية على تمكين التمويل الإسلامي من فتح أسواق جديدة وعملاء جُدُد لم تكن باستطاعتها الوصول إليهم من قبل، وذلك عن طريق استحداث عقود وأساليب جديدة لتقديم الخدمات، وصيغ جديدة للاستثمار، مما يتيح لها التميُّز والتخصُّص(2).
  2. قدرة التكنولوجيا المالية على تمكين المصرفية الإسلامية من الاستغلال الأمثل لمواردها والحد من التحديات التي تقف عائقًا أمام تقديم خدماتها بشكل أمثل، وذلك من خلال ما يلي:
    • الاستخدام الأمثل للسيولة، لاسيما أن كفاءة البنوك الإسلامية في استثمار فائض السيولة لديها أقل من كفاءة البنوك التقليدية التي تستطيع توظيف سيولتها ليوم واحد، وذلك بسبب بعض المتطلبات الشرعية والفنية الحاكمة لأنظمة العمل في البنوك الإسلامية.
    • تقليل تكاليف المعاملات الشرعية، حيث تُعد تكاليف المعاملات بالبنوك الإسلامية أعلى قليلًا من تكاليف المعاملات بالبنوك التقليدية، بسبب بعض المتطلبات الشرعية، فمن خلال التكنولوجيا المالية تستطيع المصارف الإسلامية تقديم خدماتها بتكلفة أقل.
    • إمكانية استخدام التكنولوجيا المالية في بعض جوانب الرقابة الشرعية، الأمر الذي يحد من الأخطاء الشرعية، وبالتالي تحقيق الجودة المثلى في تقديم خدمات متوافقة مع الشريعة(3).

إن امتلاك المسلمين لوسائل الرقمنة وتطبيقاتها ليس فقط فرصة أمام الاقتصاد الإسلامي، بل إنه قد يصل إلى حد الوجوب، وذلك يرجع للأسباب التالية:

  1. إن الاقتصاد الرقمي في الوقت المعاصر يُعدَّ أحد أسباب تمكين وتطوير الاقتصاد الإسلامي.
  2. قدرة الاقتصاد الرقمي على التيسير على المسلمين في الكثير من معاملاتهم اليومية.
  3. إمكانية استخدام الاقتصاد الرقمي في نشر وبث مقاصد الاقتصاد الإسلامي المبنيِّ على القيم الأخلاقية، ومراعاة الفطرة الإنسانية.
  4. ومن الاعتبارات المقاصدية من حيث المصالح المترتبة على الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز النظام الاقتصادي الإسلامي؛ ما يلي:
    • تحقيق الرفاه للأفراد والمجتمعات.
    • الحد من التبعية الاقتصادية للدول الغربية.
    • الحد من تراجع اقتصاديات الدول الإسلامية وحصول الاختلالات.
    • الحد من العديد من التبعات الاجتماعية بالدول الإسلامية التي ستتخلف عن هذه التكنولوجيا، والتي منها: “اتساع الهوة الطبقية، وتزايد البطالة، والتوجُّه المتزايد نحو الهجرة”.
    • الحد من تخلف القطاعات الاقتصادية في الدول الإسلامية عن تحقيق التنمية المنشودة(4).

(1)يوسف حسن خلاوي، ندوة البركة الثانية والأربعين للاقتصاد الإسلامي “الاقتصاد الرقمي واستشراف المستقبل.. رؤية استشرافية في ضوء الاقتصاد الإسلامي”، منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، توزيع دار أروقه للدراسات، عمان، الأردن، 2023م، صـ5-12
(2) تشير إحدى الدراسات أن استخدام المصارف الإسلامية للتقنيات التكنولوجية الجديدة سيوفر لها القدرة على استقطاب أكثر من 150 مليون شخص من غير المشمولين بالخدمات المصرفية في غضون أقل من ثلاث سنوات.
غراية زهير، مستقبل صناعة التمويل الإسلامي في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي، مجلة أبعاد اقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة أمحمد بوقرة بومرداس، الجزائر، 2019م، صـ275
(3) غراية زهير، مرجع سبق ذكره، صـ275/276
(4) قرارات وتوصيات ندوة البركة الثانية والأربعين للاقتصاد الإسلامي “الاقتصاد الرقمي واستشراف المستقبل”، منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، توزيع دار أروقه للدراسات، عمان، الأردن، 2023م، ص،544/545

Comments are disabled.