القرض الحــــــسن “العبادة الـغــائبــة”
بقلم الدكتور/ محـــمــد عبد الحليم هـــيكـل
القرض الحسن: “هو دفع مال على سبيل الإحسان والإرفاق، وتمليكه لمن ينتفع به، ويرد بدله” (1). وهو من عقود التبرعات، وعبادة اجتماعية ذات بعد اقتصادي وأحد أعمدة القطاع غير الربحي، وبه تجري مياه الرحمة في عروق الحياة، ويستظل المحتاج في دوحة الإنسانية الإسلامية، ويتقي هجير حياة بعدت كثيرًا عن رحمة الإسلام فلا زالت المجتمعات تنشد الراحة، وتترقب العودة إلى معين الشريعة وأحكامها المباركة، والقرض الحسن تتجلّى فيه عظمة التشريع بصبغة الإرفاق، والتعاون، والتكافل. وقد حث الشارع الحكيم على الإقراض، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11]. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل ينزل آخر الليل، ويقول:” مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ، وَلَا ظَلُومٍ” (2). ولا شك أن القرض من أعظم القربات قال صلى الله عليه وسلم:” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً” (3). وهو داخل في عموم المال قال صلى الله عليه وسلم:” لا تزُولُ قدَمُ عَبْدٍ يوم القِيَامَةِ حتى يُسأَلَ … وعَنْ مَالِهِ من أَينَ اكتَسَبَهُ وفِيمَ أَنفَقَهُ” (4).
مقاصد القرض:
من مقاصد القرض:
- إبقاء باب المعروف مُشْرَعاً بين الناس.
- تحقيق التآخي والتآزر بين أفراد المجتمع.
- تربية صاحب المال على السخاء والبذل.
- إزالة جذور الشح والبخل من القلب.
- تحقيق مبدأ الاستخلاف في المال وأن المال مال الله عز وجل.
- إسعاف للمكروب، وإغناء للمحتاج أو تخفيف من عوزه.
- التوزيع العادل للثروات ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7].
- معالجة اكتناز المال وتنميته ورواجه، ومحاربة الاحتكار والاستغلال.
ويشترط في القرض أن يكون المال المُقْرَضُ حلالًا، وألا يجر نفعًا على المُقْرِضِ، وألا يتبع المقرض ما أقرضه بالمن والأذى، وأن تكون الغاية من القرض التقرب لله عز وجل.
ولم يعد القرض ينحصر دوره في الأنماط الاجتماعية التقليدية، من سد حاجة اجتماعية ملحة تتعلق بالمطالب الأساسية للحياة كالمطعم والملبس والعلاج، فقد تخطى القرض هذه الوظيفة التقليدية إلى أنشطة حديثة اقتضتها اعتبارات الحياة المعاصرة، وصار القرض يلعب دورًا بارزًا في الحياة الاقتصادية، بما يقوم به من نقل للموارد ورواجها ممن يملك إلى من لا يملك، أو من يملك، لكنه يطمح إلى زيادة ثروته، وازدهار معيشته، تطلعاً إلى الغنى، والرخاء الاقتصادي بتمويل مشروعات اقتصادية واجتماعية بطريق القروض (5).
القرض بديل للربا: كما أنه بديل شرعي للربا الذي ينشأ نتيجة لحاجة المعسرين، وشح الميسرين، فجاءت نصوص الشرع الحكيم بتحريم الربا ومعالجة الأمر بالحث على الإقراض والعطف على اليتامى والمساكين ونحوهما لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. كما أنه يحمي الأفراد والشركات والحكومات من الولوج في مستنقع المديونية المتراكمة يوماً بعد يوم بسبب تراكم الفوائد.
القروض الإنتاجية: والقرض يسهم في خلق فرص عمل تحقق التنمية الاقتصادية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي، ويحقق الرخاء الاقتصادي، ويشجع الادخار والاستثمار لاسيما للحرفيين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسط ومتناهيه الصغر، كما يعمل على خلق فرص عمل جديدة تساعد على تحسين الظروف الاقتصادية للفقراء من القضاء على البطالة والفقر والعوز ومشاق الحياة التي تصادفهم، وهذا يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد والدفع بعجلة النمو، وتدعيم التنمية الاقتصادية الشاملة.
ويعد القرض الحسن أداة من أدوات تمويل عجز الموازنة العامة للدولة وتمويل التنمية، كما يمكن استخدامه بين الدول الإسلامية كأداة لتحقيق الوحدة والتكامل الإسلامي، خاصة ونحن نعيش عصر التكتلات الاقتصادية العالمية (6).
القروض الاستهلاكية: وتهدف هذه القروض إلى تحقيق السلم الاجتماعي، والقضاء على الآفات الاجتماعية، والموازنة بين تحقيق الرفاه الاقتصادي وبين التنمية.
ضرورة العمل على إحياء مؤسسات القرض الحسن: وذلك من خلال تصحيح المفاهيم الخاصة بالقرض الحسن، وأن العمل الخيري في الإسلام بصفة عامة ليس عملاً تطوعياً، بل هو فرض على كل مسلم قادر عليه، فالمسلم لا يُدفع أو يساق إلى عمل الخير، بل يسارع ويسابق نحوه.
كذلك التوعية بفضل وأهمية القرض الحسن على مستوى الفرد والمجتمع، بل على مستوى العالم الإسلامي، كأن تقرض الدولة ذات الفائض الدولة الأخرى ذات العجز قرضاً حسناً، بدلاً من أن تمد هذه الدول الفقيرة يدها للبحث عن لقمة العيش تحت ضغوط المؤسسات الدولية. كذلك تفعيل العمل المؤسسي وحث الجمعيات الخيرية والمؤسسات والبنوك على المشاركة في المسؤولية المجتمعية، كأن تسهم بجزء من أرباحها في شكل قروض حسنة، وكذلك تفعيل دور الجمعيات الخيرية في تقديم القرض الحسن (7).
(1) الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لصالح بن عبد السميع الآبي الأزهري، ت ١٣٣٥هـ، المكتبة الثقافية، بيروت: 507، كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتى، ت:1051هـ، علّق عليه: هلال مصيلحي مصطفى، مكتبة النصر الحديثة، الرياض ١٣٨٨هـ /١٩٦٨م: 3/312.
(2) صحيح مسلم: 1/522 (758) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، والإجابة فيه.
(3) سنن ابن ماجة: 2/812 (2430)، كتاب الصدقات، باب القرض.
(4) سنن الترمذي: 4/612 (2417)، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في يوم القيامة. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5) القرض كأداة للتمويل في الشريعة الإسلامية، محمد شحات الجندي، ط1 المعهد العالي للفكر الإسلامي، القاهرة 1417هـ /1996م: 19.
(6) القرض الحسن في مواجهة المداينات المعاملات الربوية: وسيلة مشروعة لقضاء حاجات الناس يجب نشرها في مجتمعنا، بسيوني الحلواني، مجلة الاقتصاد الإسلامي، الناشر، بنك دبي الإسلامي، إبريل، ع 473، م 40، 1441هـ/2020م: 58.
(7) المرجع السابق: 59.