النمو العالمي لصناعة الحلال، وآثاره الاقتصادية

بقلم الدكتورة/ هيام سامي الزعبي
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية

ظهر مصطلح صناعة الحلال حديثًا وتطوَّر بشكلٍ واسعٍ وشَمِل مختلف السلع والخدمات، ولاقى اهتمامًا كبيرًا لدى اقتصاديات العديد من الدول سواء الإسلامية وغير الإسلامية، وتنوعت تطبيقات الحلال لتضم العديد من القطاعات على رأسها قطاع التمويل، والغذاء، والأدوية، والسفر، ومستحضرات التجميل، والأزياء، وغيرها.
واكتسبت هذه الصناعة أبعادًا عالميةً فأصبحت لا تقتصر على دولة معينة، وشمِلَت عمليات تصنيع الأغذية وإنتاجها بكافة مراحلها؛ لتضمن استيفاءها للمتطلبات والاشتراطات الشرعية والفنية، لتيسير استيرادها وتصديرها.
وتتوخَّى الرؤية الإسلامية فكرة الحلال الطيب، وهي أبعدُ أثرًا من مجرد الحلال، فالحلال الطيب يزيد على أصل المشروعية بما يمنحه طابعًا حضاريًّا، فلو فرضنا أن الحلال في الغذاء يتمثل في خلوه من المحرمات كالخمر والخنزير، فإن وصف الطيِّب يزيد على حدود كون الطعام خاليًا من هذه المكونات المحرمة؛ إلى أن تُراعى فيه متطلبات السلامة الغذائية، فيخلو -مثلا – من الأضرار المرتبطة بالسلامة؛ كآثار المبيدات الضارة، وسبل التغليف والتعبئة، وآليات النقل، والحفظ التي تؤثر على الصحة النفسية والبدنية.

واقع صناعة الحلال في دول العالم:

يشهد اقتصاد الحلال في العصر الحالي نموًّا متواصلًا ومستمرًّا، في ظل الطلب المتزايد على المنتجات والخدمات الحلال، من قبل المستهلكين المسلمين وغير المسلمين، وعالميًّا احتلَّ قطاع المالية الإسلامية المرتبة الأولى من قطاع صناعة الحلال، ثم قطاع الأغذية الحلال، وقطاع نمط الحياة الإسلامي، وقطاع السياحة الإسلامية، كما شهدت أيضا دول منظمة التعاون الإسلامي تطوُّرًا هائلًا، حيث حظي قطاع المالية الإسلامية بالحصة الأكبر من حيث الحصص النسبية لقطاعات الحلال، وذلك بالنظر إلى الحجم الكبير للأصول المالية الإسلامية وبروز أدوات مالية جديدة مثل الصكوك الخضراء.
وتعد منطقة آسيا والمحيط الهادي مركزًا قويًّا في سوق الأغذية الحلال العالمية، بسبب النسبة الكبرى من السكان المسلمين، مما يعني زيادة الطلب على المنتجات الحلال، وتمتلك بعض الدول كإندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش صناعات غذائية حلال وهيئات تنظيمية راسخة، شكَّلت سوقًا كبيرًا يشمل مجموعة واسعة من الأطعمة الحلال، بَدءًا من الوجبات الخفيفة في الشوارع ووصولًا إلى المأكولات الفاخرة، وتشكِّل هذه الدول مستهلِكًا كبيرًا، ومنتِجًا رئيسًا، ومُصدِّرا إلى الأسواق العالمية للمنتجات الغذائية الحلال في الوقت عينه.
أما على صعيد الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية، فهنالك الكثير من السكان المسلمين، الذين يعزِّز تواجدهم من زيادة الطلب على المنتجات الحلال.

أسباب نمو صناعة الحلال عالميا:

تعدد الأسباب التي أدت إلى نموِّ صناعة الحلال عالميا وأبرزها ما يلي:

  • زيادة أعداد المسلمين في العالم، وزيادة الوعي العالمي بشأن عدة قضايا؛ كالاستدامة والاستهلاك الأخلاقي، والنمو الأخضر، والرقمنة.
  • زيادة وعي المستهلكين بقضايا الحلال وخاصةً غير المسلمين، حيث أصبحت نظرتهم إلى المنتجات تتطابق مع فكرة أنها منتجات صحية وآمنة متوافقة مع المعايير الأخلاقية.
  • سلامة الغذاء الحلال وتوافقه مع الإرشادات الصحية التي تضمنُها المعايير الإسلامية للطعام الطيب، ويشمل ذلك انعكاسات على مستوى الصحة العامة، والحفاظ على الحياة، وحماية الأجيال القادمة، والحفاظ على احترام الذات، والنزاهة، كما أن مفهوم الصحة يعني الانتباه لما يدخل الجسم، ونظافة الطعام، وأمان مصدره، وكذلك طريقة التعامل والتحضير، وهذه العوامل تعتبر جُزءًا أساسيًّا من مفهوم الطعام الحلال في الإسلام، حيث يعد الحفاظ على الحياة (أي: مقصد حفظ النفس) مبدأً أساسيًّا في الدين الإسلامي.
  • جودة الطعام الحلال، التي تتشكَّل من طهارته، ونظافته، وأمانه، وغيرها من إجراءات الأمان التي تُعتبر أمرًا حيويًّا في الحفاظ على نظافة ونضارة الطعام، وتؤثِّر بشكل مباشر على الجودة الغذائية للأغذية المستهلكة.
  • فكرة الرفق بالحيوان، والتي يتصف بها الاقتصاد الإسلامي في معاييره حول الذبح والتربية وغيرها، خاصة مع الممارسات الغربية غير المقبولة في الذبح والتربية وغيرها، من سبل التعامل القاسي مع الحيوان.

التحديات التي تواجه صناعة الحلال:

على الرغم من نموِّ هذا السوق وأهميته فإنه يُواجه جملة من التحديات على رأسها:

  • غياب الوعي بثقافة الحلال، ما يتطلب ضرورة نشر ثقافة الحلال، ووضع مفاهيم ومعايير واضحة وصريحة، مع العمل على تنميط وتوحيد الفتاوى الدينية المتعلقة بالحلال.
  • عدم وجود مختبرات الحلال: التي تقدِّم الدعم الفني اللازم لتعزيز خدمات شهادة الحلال، ما يعني ضرور إنشاء واعتماد مختبرات حلال، وتأهيل وتدريب فنيين مسلمين للعمل في مختبرات الحلال.
  • صعوبة الحصول على مكونات حلال بديلة: كالدهون، والغليسرين، والبروتينات، ومصل اللبن واللحوم من مصادر حلال أو نباتية، ما يعني ضرورة التوجُّه نحو إنتاج هذه الخامات البديلة وتوفيرها للمنتجين والمستهلكين.
  • شعارات الحلال في بعض الأحيان ليست في موضع ترحيب: بسبب الاعتقاد السائد عند البعض بأن وجود هذا الشعار يقلِّل من قيمة المنتجات، ويمكن التغلُّب على هذه العقبة بزيادة الوعي بأهمية المنتجات الحلال، وبيان ارتباطها بالجودة والأمان، إلى جانب تقديم نتائج دراسات تقنية اقتصادية حول النتائج الربحية إذا وجد شعار الحلال على المنتجات.
  • يمتلك سوق الحلال شركات غير مسلمة: حيث إن معظم منتجات الحلال يتم إنتاجها من قبل شركات يمتلكها غير مسلمين، ويتطلَّب هذا ضرورة تعزيز دور شركات الحلال الإسلامية في منح الثقة لهذه المنتجات المختلفة، حتى يتماشى سوق الحلال في هذه الدول ومن قبل هذه الشركات غير المسلمة مع معايير الحلال الإسلامية.

علاقة صناعة الحلال بالنمو الاقتصادي:

تعتبر صناعة الحلال من الأسواق سريعة النمو عالميًّا، حيث لاقت المنتجات والخدمات الحلال إقبالًا كبيرًا بين المستهلكين المسلمين وغير المسلمين في جميع دول العالم، وتشير العديد من الدراسات إلى نمو هذا القطاع بشكل كبير في المستقبل.
وقد عملت بعض الإجراءات في بعض الدول على تعزيز ودعم نمو صناعة الأغذية الحلال، مما جعل الطعام الحلال أكثر صحةً وأمانًا، وأدّى ذلك إلى زيادة الطلب على المنتجات الحلال في الدول غير الإسلامية، ويُسهم هذا النمو في إمكانية إيجاد المزيد من فرص العمل وتعزيز الابتكار والإسهام في التنمية الاقتصادية.
كما أن لهذه الصناعة أهمية في توفير العديد من الفرص للشركات والمستثمرين؛ للاستفادة من تنامي سوق المستهلكين الذين يسعوْن للحصول على منتجات وخدمات حلال في إطار قيمهم الأخلاقية، ويعني ذلك أهمية تعاون الشركات والمستثمرين مع أطراف وجهات متنوعة، كهيئة شهادات الحلال، ومنصات التوزيع، وشركات التسويق، وشركات الخدمات اللوجستية والتخزين، وتجار التجزئة.
وقد صاحب التوسُّع الكبير والتنوع الحاصل في سوق الحلال تنوُّعٌ في فرص العمل، والتي شملت التصنيع والتوزيع والتسويق، وصناعة فقه المنتجات الحلال، كما توسَّعت قطاعاتها لتشمل قطاع التمويل الإسلامي، وقطاعات الأغذية الحلال، والسياحة الإسلامية، والصيدلة وصناعات الأدوية، والتجميل، والخدمات اللوجستية، والتسويق وغيرها، والقطاع التقني والأجهزة الطبية، وكل هذا من شأنه المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي للدول، على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وتوليد فرص العمل، وإيرادات العملات الأجنبية، وتحفيز الاستثمار، وتوسيع الأسواق المحلية والدولية، وتعزيز الثقة بالمنتجات الإسلامية، والابتكار، والرفاهية الاقتصادية على مستوى العالم.

Comments are disabled.