التحريم الشامل لأكل الربا مبدأ أصيل من مبادئ الاقتصاد الإسلامي
بقلم الأستاذ الدكتور/ عزُّ الدِّين بن زغيبة
أستاذ الفقه والأصول والمقاصد
ورئيس هيئة الرقابة والفتوى في عدد من المصارف الإسلامية
إن مفهوم الربا باختصار هو: دينٌ ثابتٌ في الذمة أيًّا كان سببه بزيادة مشروطة على الدين مقابل الأجل، واجبُ الرد بعد أجل معين. وقد حرَّمت الشريعة التعامل به صراحة أو حيلة، قليلاً كان أو كثيرًا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 130 – 132]. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 275، 276]
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) } [آل عمران: 130 – 132]
ولقد فَهِم الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم معاني هذه النصوص فهماً دقيقاً؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصعد المنبر ويقول: “قَالَ عُمَرُ: إِنَّ آخِرَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ”(1).
وعلى هذا الأصل منع مالك الربا والشبهة فيه وعلى هذا النص وأمثاله انبنى أصل سد الذرائع الذي تعتمد عليه كل الدول في الممنوعات قانونا دون الإشارة إليه. ولما كان أكل الربا من أخطر أنواع أكل المال بالباطل جعلته السنة من بين السبع الموبقات، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»(2).
وقد أعلن صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الوداع بوضع وإبطال كل الربا في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم “وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ“(3).
وقد لعن الله كل من اشترك في عقد الربا – فلعن الدائن الذي يأخذه، والمستدين الذي يعطيه، والكاتب الذي يكتبه، والشاهدين عليه، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ»(4).
تطبيقات معاصرة للمعاملات الربوية:
- يظهر الربا واضحاً في سوق القِطَع (العملات والمعادن النفيسة)، حين يعمد تجار الصرف إلى تأمين أنفسهم ضد خطر تقلُّبات سعر الصرف، فهم يشترون العملة المطلوب تسليمها آجلاً، ويودعونها في المصرف إلى هذا الأجل نظير ربا.
- كما يظهر الربا في سوق الأوراق المالية عن طريق الشراء في هذه السوق بالاقتراض من المصارف، وعادةً ما يكون القرض نسبة من قيمة الأوراق المالية، وهو ما يسمى بالشراء الهامشي أو الحدي “Margin”، فإذا كان الهامش المطلوب للإقراض على الأوراق المالية 70%، فإن المصارف التي تموِّل شراء الأوراق المالية تقرض 30% من سعر الشراء، والمشتري يدفع نقداً 70% من هذا السعر، والمستثمر هنا يتوقع أن ترتفع سوق الأوراق المالية، حتى يقوم ببيع الأوراق المالية التي اشتراها محقِّقا من وراء ذلك ربحاً، وإذا لم تصدق توقعاته سيتحمل خسائر فادحة، ولذلك حرم الله عز وجل الربا، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].
(1) أخرجه ابن ماجه (2/ 764) حديث رقم (2276)، وصححه البوصيري، ينظر: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (3/ 35).
(2) أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا، إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] (4/ 10) حديث رقم (2766) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (1/ 92) حديث رقم (89).
(3) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 886) حديث رقم (1218).
(4) أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله (3/ 1219) حديث رقم (1598).