دور الاقتصاد السلوكي في إدارة الأزمات نفسيًّا وسلوكيًّا

بقلم الدكتور/ زايد نواف الدويري
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية
مستشار وخبير في الاقتصاد السلوكي

يمكن تعريف الأزمة من ناحية نفسية بأنها: إدراك الفرد لحدثٍ أو موقف معيَّن صعب الاحتمال ويفوق ميكانيزمات المواجهة، ويستنفد الفرد كل إمكانيات المواجهة، وإذا لم يتمكَّن من ذلك فإن استمرار الأزمة يُنتج خللًا أو عجزًا وظيفيًّا انفعاليًّا أو معرفيًّا سلوكيًّا، أما الأزمة من ناحية سلوكية فهي حالة الفرد السلوكية التي تستدعي يقظةً سريعةً للحفاظ على السلامة البدنية والنفسية، من التعب، والإجهاد، والحيرة، والقلق، واضطرابات في العلاقات الأسرية، والاجتماعية، وعلاقات العمل.

أدبيات الاقتصاد السلوكي في تفسير وتحليل وإدارة الأزمات:

يقدِّم الاقتصاد السلوكي الدعم النفسي والاجتماعي لإدارة الأزمات، وهو النهج المجتمعي لتسهيل قدرة السكان المتضررين على التعافي من الأزمات والكوارث في الوقت الذي يحافظ فيه على صحة الموظفين والمتطوعين.

ومن أبرز أدبيات الدعم النفسي والاجتماعي:

مراعاة الاحتياجات والمشاكل والمخاطر والقدرات القائمة ومراحلها

توفير سياق داعم

تقييم وتنفيذ الدروس

فهم الأشخاص المعرَّضين للخطر وذوي القدرة المحدودة على التعافي: الأطفال، الضعفاء، كبار السن

مراعاة الاحتياجات العملية الفورية، وأُذُنٌ سامعة، ودعم وراحة.

جمع المعلومات والتأكُّد من صحة الافتراضات

فهم طبيعة المراحل التي يمر بها الواقعون والمتضررون من الأزمة.

تسهيل لم الشمل مع العائلة والاحتفاظ بهم معا.

تحديد الأولويات التي يجب معالجتها

المرحلة الأولى: مرحلة التأثير.

تعزيز الشعور بالأمان والهدوء والأمل والارتباط بالآخرين.

تنفيذ الأنشطة كما هو مخطط لها بالفعل

المرحلة الثانية: شهر العسل، أي: مرحلة التعاطف والاهتمام من جميع الجهات الفاعلة من أفراد وحكومات وإعلام ومجتمع.

توفير المعلومات الأساسية المتعلقة بالأزمة وإرشادات الاستجابة والتعافي وردود الفعل المحتملة.

تقييم النتيجة

المرحلة الثالثة: خيبة الأمل. أي: تضاؤل الدعم الاجتماعي.

الاعتراف الاجتماعي من الجميع ودعمهم – رجال سياسة ودين، وإعلام وعدم رفض المجتمع لهم ونقدهم.

تعديل الخطة إذا لزم الأمر.

المرحلة الرابعة: إعادة الإدماج. أي: نمو حجم الدعم الاجتماعي مجدّدًا.

 

 

لكن بالمقابل فإن الربط بين الأبعاد النفسية وإدارة الأزمات يعني:

  • التنسيق العالي بين جهات فاعلة وتخصُّصات مختلفة هدفها تحقيق الخدمات للأفراد المتضررين بعد وقوع الأزمة، فهو تعاون وتنسيق مجتمعي لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
  • إعطاء معانٍ وتأثيرات إيجابية لبثّ الأمل في النفوس، والمساعدة على مزيد من مرونة التعافي من الأحداث المُجهِدة.
  • ضرورة الانتباه إلى الطقوس التي يمارسها قادة الأزمات بعد انتهاء الكارثة؛ كإنشاء النصب التذكارية وغيرها مما يساعد على تذكُّر الكارثة من الأفراد المتضررين والناجين، وحدوث تأثيرٍ معاكسٍ على الناجين والثكلى.
  • تلعب التحقيقات وكثرة الاستفسارات دورًا كبيرا في تثبيط التعافي من الأزمات، مثلًا بعد ست سنوات من تحطُّم طائرة في امستردام، تصاعدت الشكاوى الصحية وانتهت بإجراء تحقيق برلماني مثير للجدل، هدَّد التحالف الحاكم آنذاك.
  • يجب أن تكون الرفاهية العاطفية للأفراد والمواطنين هدفًا رئيسًا لفريق إدارة الأزمات كله.
  • لا يمكن للبعد النفسي أن يكون فعّالًا في إدارة الأزمات ما لم يكن في كل مرحلة من مراحل الأزمة.
  • لا ننسى مراعاة الأبعاد النفسية لفريق الأزمات نفسه، والتــي تــنعكس علـیهم مــن جــراء قیــامهم بعملهــم مــن مشــاهد وأحــداث، وذلــك فیمــا یُعــرف بالصدمات الثانویة أو الصدمات المنتقلة عن الآخـرین، حيث ينبغي اتِّباع طرق علاجية لتجاوز هذه المرحلة من المعاناة.

إدارة الأزمات وفق أدبيات الاقتصاد السلوكي .. المراحل والنماذج التطبيقية:

ماذا يقول الاقتصاد السلوكي في طبيعة مراحل إدارته للأزمات:

أولا : مرحلة اتخاذ قرار إدارة الأزمات من ناحية سلوكية:
  • التروي والتوقع الصحيح والأخذ بالأسباب والمعطيات هي مفاتيح صنع القرار الأفضل للحكومات.
  • “التحيزات المعرفية” تدفع الإنسان إلى قرارات خاطئة تعتمد الحدس والتوقع أكثر من المنطق.
  • عوامل مهمة تفصل بين النجاح والفشل في إدارة الأزمات تتمثل في: الاعتماد على الحدس، والتوقُّعات غير العلمية، وتمثِّل هذه العوامل “مصيدة معرفية” تفصل بين النجاح والفشل في إدارة الأزمات.
  • الطريقة المثلى لاستعادة الثقة تكمن في تبني ثقافة التروي لاتخاذ القرارات الصائبة في أوقات الأزمات؛ لأنها تضمن ازدهار الشعوب.
  • العالم بحاجة مُلحَّة لبناء نُظُمٍ متينة تعزِّز الجاهزية للأحداث غير المتوقعة، وضمان الكفاءة في قراءة المؤشرات للتنبؤ بالأحداث الطارئة.
  • الناس يميلون إلى الاعتماد على الحدس والتوقُّع أكثر من المنطق.
    • الآلية الجديدة لصنع القرارات الحكومية تعتمد على التروي من أجل اتخاذ قرارات صائبةٍ مبنية على معطيات صحيحة
    • الآلية يجب أن لا تقتصر على المسؤولين الحكوميين، بل أن تشمل قطاعات ومؤسسات وأفرادًا خارج إطار الحكومة.
    • التروّي والتوقُّع الصحيح والأخذ بالأسباب والمعطيات هو مفتاح صنع القرار الأفضل لحكومات المستقبل، ومما لا شك فيه أن القرارات الصائبة في أوقات الأزمات تضمن ازدهار الشعوب.
ثانيا: القرار في مراحل إدارة الأزمات وفق منظور الاقتصاد السلوكي:
1. مرحلة قبل الأزمة .. التحضير أو التخطيط للأزمة:

يعتقد الاقتصاد السلوكي أن حَجَر الزاوية في هذا الأمر هو أن قرارات إدارة الأزمات غالبًا ما لا تكون مدروسة، والسبب في ذلك هو الاعتقاد بعقلانية القرار عند صاحبه، فيكون السير حينئذ في اتجاه اتخاذ القرار المُرضي بدلًا من اتخاذ القرار الأمثل، ما يؤدي غالبًا إلى الشذوذ النفسي والعاطفي والشخصي، وبالتالي يكون القرار سريعًا وروتينيًّا وغير مدروسٍ بسبب وجود بعض التحيُّزات، وأهمها:

التحيُّز

تأثيره في الأزمة

العقلانية المحدودة

وجود مدراءٍ ليس لهم دراية بعملية التخطيط للأزمات مع أعضاء فريق العمل، وقد يضطرُّ أعضاء الفريق إلى إرضاءِهؤلاء المدراء لإكسابهم مزيدًا من الخبرة واتساع العمل، ما يؤدي إلى تجاهُل بعض الأحداث المهمة أو المحتملة.

التحيُّز للتفاؤل

يؤدّي وهم الإيجابية عن طريق التفاؤل باحتمالية وقوع الأزمة لشخص أو جهة أخرى، إلى اختلال وظيفي وفعلي عند متخذي القرار والمنظمات الفاعلة أيضًا.

التصوُّر

هذا التحيُّز قائمٌ على تصوُّر وقوع الأزمات سهلة التصور مثل: حوادث الطائرات والحرائق، والابتعاد عن تصوُّرات ممكنة الحدوث مثل انهيار التكنولوجيا، رغم بعد تلك الاحتمالية زمنيًّا.

الحسم الزمني

وهو أن متخذي قرار التخطيط للأزمات يستبعدون قيمة المنافع المستقبلية ويميلون إلى نتائج أقل جاذبية في الحاضر، ويظهر هذا التحيُّز عند مرحلة السعي لزيادة الوعي بالأزمة وطبيعتها، حيث يجد مدراءُ الأزمات أنفسهم في وضعٍ حرجٍ وهم يدافعون عن أحداث ربما لن تحدث بسبب هذا التحيُّز.

ترجيح الاحتمالية

يميل صانعو القرار إلى المبالغة في تقدير الأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة، والتقليل من الأحداث ذات الاحتمالية العالية التي تساعد على وقوع الأزمات، والتي قد تحوِّل الموارد إلى اتجاه خاطئ والتي يجب أن تستند إلى بيانات موضوعية.

التعطيل

وهو أن القصور الذاتي في التخطيط للأزمة عند صانعي القرار يؤدّي إلى الإحساس الزائف بالأمان، ما يعزِّز العوامل الأخرى التي تُعيق التخطيط للأزمة.

2. مرحلة أثناء الأزمة (عمل الأزمة)
التحيز تأثيره على الأزمة
العقلانية المحدودة بسبب ضيق الوقت في الأزمة فإن القرار المثالي بعيد المنال، إضافةً إلى أن عدم تناسق المعلومات من الأمور التي تؤدي إلى عقلانية محدودة، خاصة أنه يجب اتخاذ القرار الحقيقي في الموقف الحقيقي.
تأثير التسوية وهو صعوبة اتخاذ القرار عندما تكون جميع البدائل المتاحة مقبولةً، لذلك يتم اتخاذ القرار الوسطي الآمن، ما يؤدي إلى تجاهل خيارات أكثر بروزًا.
تحيز حب الكسب وتجنب الخسارة يتجنَّب صناع القرار اتخاذ القرار في الأزمات التي فيها مخاطرة، وبالتالي فإن مديري الأزمات يميلون إلى اتخاذ قرارات غير منطقية لتجنُّب الخسارة وتقليل الجوانب السلبية.
تحيُّز الإغفال يتوقَّع صانعو القرار عادة الندم عند اتخاذ القرار لتجنُّب الندم خشية وقوع ضرر، مثال: أثناء الأزمة يتجنَّب صانعو القرار عقد مؤتمر صحفي ويعتبرونه خيارًا آمنًا على الرغم من فائدته على المدى الطويل، لكن قرارهم بإغفاله ليس هو الخيار الأفضل.
3. مرحلة ما بعد الأزمة : مرحلة التعبير عن الآراء والانتباه إلى الأخطاء:

التحيُّز

تأثيره على الأزمة

النقاط المرجعية

يحاول متخذو القرار الرجوع إلى نقطة مرجعية سابقة، لم يعد من الممكن تحقيقها بعد التأخر عن الاستجابة اللازمة للأزمة، وهنا يجب عليهم اتخاذ قرارات لنتائج أفضل وتحديد ما إذا كان من الممكن الرجوع إلى حالة توازن ما قبل الأزمة، أو إذا كان مُمكنًا الخروج من الوضع الحالي إلى نقطة جديدة.

الاعتماد المفرط على القيم المتطرفة

يبالغ متخذو القرار في التركيز على الأحداث غير العادية والتي لا تنسى، في الاعتماد على القيم المتطرفة في مرحلة التخطيط للازمة، وتحديدًا نشر الوعي بالأزمة عندما يكون كثيرًا فقد يكون معيقًا للأزمة؛ لذلك ينبغي فهم هذه القيم وإداراتها حتى لا تؤثِّر على القرارات.

التأطير

ليس الحل هو دائمًا تأطير أصحاب القرار للأزمة على أنها حدثٌ غير متوقَّع لا مفرَّ منه، فالحل هو التأطير بوضع تقييم للبدائل وتقديم الخيارات من جميع الزوايا؛ لتقليل المشاكل المرتبطة بالتأطير.

نماذج تطبيقية لأدبيات الاقتصاد السلوكي في إدارة الأزمات:

1. الأزمة المالية العالمية في ميزان الاقتصاد السلوكي.. نحو تفسير سلوكي لأزمة الرهن العقاري:

اعتمد التوسُّع السريع في عدد الرهون العقارية عالية المخاطر، على الإقبال الكبير للقطاع المالي على شراء المنتَج المورَّق، وحدث هذا التوسع السريع بالتوازي مع الارتفاع السريع في أسعار المساكن، كان هناك بالطبع تفاعلٌ ثنائي الاتجاه بين هذه الظواهر. وعندما انخفضت أسعار المساكن تخلَّف عدد من أصحاب العقارات عن سداد قروضهم العقارية، وأعادوا مفاتيح وسندات منازلهم إلى منشئ الرهن العقاري. وقد شجع الاستخدام الواسع النطاق للقروض بدون حق الرجوع، والتي لا يتحمل المقترض عليها مسؤولية شخصية، على هذه التخلف عن السداد، ووجدت المؤسسات المالية انخفاًضا كبيرًا في قيمة أصولها، وبلا شك هدَّد هذا الانخفاض الجدوى المالية من هذه العملية، وزاد هذا التهديد بسبب انخفاض نسب رأس المال إلى الأصول التي اختارتها المؤسسات المالية.
وقد أدَّت الطبيعة غير المستقرة للعديد من المؤسسات المالية إلى نضوب الائتمان، بما في ذلك الائتمان الممنوح للشركات غير المالية، وأدى ذلك إلى انخفاض في نشاط وتوظيف الشركات المتعطشة للائتمان، والتي من خلال تأثيرات متعددة الطبقات تنشر الانخفاض في التوظيف في جميع أنحاء الاقتصاد مما أدى إلى تراجع الاقتصاد العالمي، بسبب مشكلة مماثلة إلى حد ما في سوق الإسكان في المملكة المتحدة.
يفسِّر الاقتصاد السلوكي ما سبق بالرجوع إلى فكرة الإنسان الاقتصادي، حيث توحي الإخفاقات المالية بوجود أخطاء عشوائية في اتخاذ القرار تبدو غير متوافقة مع تصرفات الإنسان الاقتصادي، حيث اعتبر الكثيرون ممن تخلَّفوا عن سداد قروض الرهن العقاري هذا التخلف خيارًا عقلانيًّا، إذا ما نظرنا إلى أن عقوبة التخلُّف عن الرهانات العقارية عالية المخاطر ضئيلةٌ، هذا علاوةً على أن إدارة مجالس المؤسسات المالية كانت بعيدة عن العمق في فهم المنتجات المالية الجديدة التي أنتجنها الاقتصادات العالمية الجديدة، وتزامن مع ذلك سحابة التفاؤل التي ظللت المالكين للعقارات.
بناء عليه ظهرت الانحرافات السلوكية التي سرَّعت بالكارثة المالية.

التحيز تأثيره السلبي
التحيُّز للحاضر أو تحيُّز الخصم الزائد
يقوم الفرد في التحيُّز بتأجيل قراءة الأحرف الصغيرة في عقد الرهن العقاري. علاوةً على ذلك، في وقت الحصول على رهنٍ عقاريٍّ عالي المخاطر قد يشعر الفرد بالاستعداد لقبول التخفيضات في الاستهلاك في المستقبل وعندما تنتهي الفترة ذات السعر التسويقي المنخفض، ولكن يكتشف لاحقا صعوبة ذلك، ويوصف هذا السلوك بناءً على هذا التحيُّز بأنه غير متَّسق مع الوقت.
نمط الفقاعة
كشفت الأعمال التجريبية التي قام بها الاقتصاديون السلوكيون عن اتِّجاه قوي لموضوعات التجربة في ألعاب تداول الأصول المختبرية؛ لتقديم عطاءات لسعر أحد الأصول أعلى من سعره الأساسي، وعلى الرغم من أن الأشخاص التجريبيين يعرفون السعر الأساسي للأصل. أي: السعر الذي يستحقُّه الأصل للمالك في نهاية التجربة، فهم مستعدّون في هذه الأثناء لتقديم عطاءات لسعر الأصل أعلى من السعر الأساسي، ومع ذلك ، ينهار السعر في النهاية، هذا هو نمط الفقاعة، ستخلق هذه الموضوعات الذكية فقاعة أسعار الأصول في بيئة خاضعة للرقابة ، حيث يعرفون على وجه اليقين السعر الأساسي للأصل، وبالتالي تكون الخسائر المحتملة واضحة، مما يجعل حدوث الفقاعات الفعلية في أسواق الأسهم والعقارات في العالم الحقيقي أقل إثارة للدهشة، ويتكرر سلوك الفقاعة هذا عندما تبدأ نفس الموضوعات التجريبية مرة أخرى في لعبة تداول الأصول الثانية والثالثة وما إلى ذلك.
في سياق الفقاعة، إذا اعتقد الناس أن لديهم القدرة على الخروج قبل الانهيار، فهذا يعني أنهم يصنفون قدرتهم فوق قدرة صاحب الأصول العادي.
الثقة المفرطة
يعاني الأفراد وهم المال وهم يبالغون في تقدير القيمة الحقيقية لأسعار المساكن لحساب الزيادة في سعر منزل الفرد، أما بالنسبة للأشخاص الذين امتلكوا المنزل لعدد من السنوات فستبدو الزيادة في القيمة أكبر. علاوةً على ذلك فإنه في ظل سوق صاعد سيزداد هذا التأثير، في حين أن المبالغة في تقدير الزيادات في الثروة من شأنها أن تؤدِّي إلى اقتراض الناس واستهلاكهم بشكل مُفرِط.
المقارنة المرجعية
يتعرَّض الأفراد إلى مخاطر مُفرِطة بسبب اعتمادهم في الأداء على مقارنات مرجعية، وتوضيح ذلك أن المقامرين يحاولون تجنُّب خسارة صافية في أيام المراهنة. أي: لتجنُّب صافي النتيجة لليوم الذي يقل عن المستوى المرجعي للصفر. يعكس المستوى المرجعي للصفر قلقهم بشأن مدى أدائهم في سباقات اليوم، بسبب النفور من الخسارة، فإن الانخفاض إلى ما دون المستوى المرجعي بصفر يولِّد قدرًا إضافيا من الفوضى، بما يكفي لتحمُّل المقامر مخاطر إضافية لمحاولة تجنُّب الخسارة، ما يؤدي إلى ظهور ميل إلى تحمل مخاطر متزايدة لتجنب النقص في السعر الفعلي المستلم من السعر المرجعي.
انعكاسات السياسة
يحتاج الناس لحمايتهم من أنفسهم جراء القرارات التي يتَّخذونها؛ لأنهم لا يقومون بالتقييمات التي تصبُّ في مصلحتهم؛ لذلك اقترح الاقتصاديون السلوكيون “الأبوية التحرُّرية” كطريقة غير تدخُّلية إلى حد ما يمكن للحكومة من خلالها تحسين صنع القرار الفردي وتعويض بعض التحيزات السلوكية التي يعانيها الأفراد. إن فكرة الأبوة التحرُّرية هي وضعٌ افتراضيٌّ يحمي الأشخاص المعرضين للتحيز السلوك. على سبيل المثال: جعل الرهون العقارية كإعداد افتراضي، في هذه الرهون العقارية يتم تعديل الرصيد المستحقَّ بما يتماشى مع مؤشر أسعار المنازل في الحي، سيشارك هذا العقد في مخاطر التغيُّرات في أسعار المساكن بين المقترض والمقرض، وفي تحسين الترتيب التقليدي حيث يتحمل مالك المنزل كل هذه المخاطر، وأيضا تحسين الرهون العقارية عالية المخاطر، حيث كانت تفاصيل مشاركة المخاطر معقَّدة للغاية بحيث لا يمكن فهمها من قبل العديد من المقترضين. وتشير الدلائل إلى وجود ميلٍ لدى الناس لاختيار الافتراضي. وبالتالي فإذا كان التقصير مصمّمًا لأولئك الذين لديهم قدرةٌ قليلةٌ أو دافعٌ ضئيلٌ لفهم عقد أكثر تعقيدًا، فمن المرجَّح أن هؤلاء الأشخاص يتمتَّعون بالحماية.

2. الاقتصاد السلوكي وأزمة كورونا

التدخُّلات السلوكية تغير في ديناميكية الأزمة (الوباء) من خلال البيئة المحيطة عبر اتجاهين

  • السلوك الحكومي ( سياسات عامة).
  • السلوك الفردي ( المواطنون)
العوامل السلوكية المرتبطة بحجم الوباء للاتجاهين المذكورين:
التحيز تأثيره
تحيز التفاؤل والثقة الزائدة حيث يعتقد المواطنون والسياسيون أن احتمال حدوث وباء هو أقل مما هو عليه الآن، وهذا بالطبع سيؤثر على توقيت السياسات العامة والإجراءات لاحتواء الوباء وإيقافه.
عدم القدرة على القراءة (الفشل في فهم النمو الأساسي) هذا يعني أن المواطنين والحكومات يقلِّلون من قدرة الوباء على النمو أضعافًا مُضاعفةً، ومن وجهة نظر المواطن: يؤدّي هذا إلى الاعتقاد بأن شدة الإصابة بالفيروس ومعدّل العدوى أقلُّ مما هي عليه، ويتم التقليل من خطورة الوباء مرةً أخرى، مما يجعل المواطنين يحمون أنفسهم أقل مما ينبغي.
مقارنة الأقران تقديم المقارنة قد يكون مفيدًا أو توصيل المخاطر بدقة في معالجة التفاؤل أو الثقة الزائدة، كما أن النتيجة السلبية التي حدثت للسكان المستهدفين يمكن أن تزيد من حماية المواطنين لأنفسهم، كما يمكن توظيف المشاهير في تعزيز التدابير الوقائية.
مغالطة نقص الأدلة حيث يتم تفسير عدم وجود دليلٍ لحدثٍ ما دليلًا على عدم وجود هذا الحدث.
انحياز الوضع الراهن يميل الناس بموجَبه إلى تفضيل خط الأساس الحالي (أو الوضع الراهن) على أي تغيير، بحيث يكون هناك خطرُ عدم القيام بأي شيء في مواجهة حدثٍ جديدٍ مثل الجائحة.
تجنب الخسارة يتنبَّؤ هؤلاء بأن الناس يأخذون الوضع الراهن كنقطة مرجعية، وأي تغيير من تلك النقطة المرجعية، إما أن يتم التقليل من قيمته (ينعكس عادة في تعديل غير كافٍ للوضع الجديد) أو يُنظر إليه على أنه خسارة (تحفِّز عدم القيام بأي شيء).
الأعراف والتأثيرات الاجتماعية إن الأقران مثل زملاء العمل والأصدقاء والعائلة يؤثِّرون على سلوك الفرد، ويرتبط هذا التأثير بالتحيُّز للوضع الراهن.
على سبيل المثال: في المراحل المبكِّرة من الوباء، في تلك المجتمعات التي لم تفكِّر فيها القاعدة الاجتماعية في استخدام أقنعة الوجه، كان الأفراد في حالة توازن حيث لم تكن هناك حوافز كافية لبدء حماية أنفسهم، فلم يكن في إسبانيا على سبيل ثقافة لحماية المواطنين، وكانت هناك أدلة لمقاومة ثقافة ارتداء الأقنعة من بين الشباب والمتعلمين، لكن الميل لوحظ عند كبار السن في المناطق التي كان فيها لبس الأقنعة سلوكًا شائعًا فكان مرتفعًا بشكل ملحوظ.

على مستوى السياسات العامة في إدارة أزمة كورونا سلوكيًّا:

تستند عملية التغيير السلوكية في ظل جائحة كورونا على مسارات أربعة:

  1. تشريعات قانونية (أوامر وتعليمات وعقوبات وغرامات).
  2. أعراف مجتمعية (الترهيب من المصافحة والتقبيل).
  3. وعي مجتمعي (التباعد الجسدي).
  4. بيئة مجتمعية (ملصقات ونقاط للاصطفاف بغية التباعد).

وتم التعامل في ظل هذه المسارات ضمن مجموعة من التحيُّزات المعرفية والعاطفية والإدراكية التالية، بَدءًا من وصول الجائحة وانتهاء بعملية التطعيم، وعلى سبيل المثال:

بدء الجائحة الانتشار الحظر العودة التطعيم
تفضيل الجماعة تأثير العربة انحياز التوافر انحياز التفاؤل تأثير الارتساء
الثقة المفرطة الانحياز التأكيدي الإدراك المتأخر    

من خلال تحيُّز الانتماء إلى المجموعة: يتم تفضيل الفرد للمجموعة التي ينتمي إليها على المجموعات الأخرى، وكان هذا التحيز ظاهرًا عند بدء الجائحة، وتناقلت وسائل الإعلام العالمية الأخبار عن مصدر الفيروس وهو الصين، وتناقلت الاتهامات عن المسؤول عن تصنيعه، وأصبح الانحياز العقلي العالمي هو أن الصين مصدر الوباء (الفيروس خارجي وليس داخلي).
بالمقابل يعمل انحياز الثقة المفرطة من خلال اعتقاد الفرد أنه أفضل مما عليه فعلًا، فلم يكن الناس على قناعة بخطورة الفيروس واستمروا في تبني نظرية المؤامرة وأن ما ينشر غير صحيح.
وفي المرحلة الثالثة يقوم انحياز تأثير العربة بعمله من خلال: ازدياد معدل تقبُّل الناس لأفكار وتصرفات الآخرين عندما يعتنقونها فعلًا، وظهر هذا جليًّا حين تدافع الناس إلى الأسواق لشراء المستلزمات عندما شاهدوا الآخرين يفعلون ذلك، ويظهر من خلال التحيُّزات السابقة والأمثلة المذكورة التي وجَّهت تعامل الأفراد مع جائحة كورونا، كيفية استفادة السياسات الحكومية من العلوم السلوكية في التعامل مع جائحة كورونا.

توضيح التحيزات السابقة وغيرها

ظاهرة تأثير الهالة مضمونها: أن الأشخاص لا يستطيعون تقييم زملائهم في العمل بشكل مستقلٍّ عن مظهرهم الجسدي، ومن خلال أزمة كورونا: كان هناك حاجةٌ لارتداء الأقنعة واستخدام المعقِّمات أكثر من ذي قبل، وتلك أمور لم تكن شائعة من قبل، وقد احتاج الناس إلى تنبيه؛ لذلك تم استخدام الشخصيات العامة في الإعلانات العامة لتعليم الأشخاص كيفية تجنب الإصابة بالفيروس باستخدام طرق بسيطة مثل: غسل اليدين، والتباعد الاجتماعي، كما ارتدى القادة السياسيون الأقنعة والكمامات، وبناءً عليه فإن رؤية الأشخاص الذين يحبّونهم ويثقون بهم كان لها تأثير على الناس من أجل تكييف هذه القواعد البسيطة.
سلوك الرعي ( تأثير العربة) إن قيام الأشخاص في المجتمع بارتداء الكمامات واتباع الطرق الصحية – كما يقوم بها الآخرون من جيران وأقارب وأصدقاء – يجعلهم يفعلون نفس الشيء ويشعرون بالضغط لفعل تلك الأشياء، وبخلاف ذلك فإنهم سيشعرون أنهم غير ملتزمين وأنهم مخالفون.
التحيُّز للوضع الراهن فالناس غير مستعدين لمغادرة منطقة الراحة التي يعيشون بها، وهنا يدعم الاقتصاد السلوكي بناء خيارات افتراضية لدفع الناس لاتخاذ قرارات أفضل وأكثر ذكاء، ويشعر الناس بعدم الحاجة إلى التطعيم إذا احتاجوا إلى اتخاذ الترتيبات بأنفسهم خاصة في ظل المواعيد وهذا يأخذ وقتًا طويلًا، وما يجب على الحكومات فعله هو ترتيب عملية التطعيم للأفراد وإبلاغهم بالزمان والمكان وكيفية الحصول على الجرعات بأسهل طريق.
الثقة الزائدة دعاء كانيمان إلى اتخاذ قراراتٍ أكثر ذكاء لتجنُّب وضع الأفراد خيارات خاطئة بناء على ثقتهم الزائدة بقدراتهم، ومضمون ذلك هو استخدام خوارزميات أثناء الوباء لتحديد من هم الأشخاص الذين لهم أولوية في التطعيم، وكان هذا اختيارًا ذكيًّا للتغلُّب على مشكلة الثقة المفرطة.

دور الاقتصاد السلوكي في معالجة التردُّد في تلقي التطيعمات في الولايات المتحدة:

تم تبنّي العديد من الاستراتيجيات لمعالجة تردُّد اللقاح منها:

1. الحوافز المالية:

  • قدَّم العديد من أصحاب العمل حوافز مالية لموظفيهم للحصول على التطعيم، بالإضافة إلى ذلك أطلقت عدة ولايات مثل: ماساتشوستس وميشيغان وأوهايو وكاليفورنيا حملات يانصيب لسكان الولاية لتعزيز معدلات التطعيم.
  • الاقتصاد السلوكي هو العلم الذي كان وراء حملات اليانصيب، وقد يبالغ الناس في تقدير احتمالات الفوز مما يحفزهم على التطعيم، وقد يركِّز الأشخاص على حجم المكافأة وليس بالضرورة احتمالية الفوز.
  • هناك عدة مكونات في يانصيب اللقاح تعمل معًا لتحفيز الأفراد على تلقي التطعيم، أولاً: مقارنةً بالعوامل الأخرى في النتائج الصحية مثل التغذية السليمة أو ممارسة الرياضة فإن التطعيم حدث منفصل. وإن احتمالية عمل اليانصيب في أحداث منفصلة مثل اللقاحات أكبر بكثير من احتمالية إجراء تعديلات مزمنة في نمط الحياة.
  • بعد ذلك، كان لدى العديد من الدول قواعد ولوائح بسيطة نسبيًّا وسهلة الفهم تزيد من الشفافية، بالإضافة إلى ذلك فإن الحصول على المكافأة في وقت قصير نسبيًّا يعدُّ أمرًا إيجابيًّا آخر في يانصيب اللقاح. وعلى الرغم من هذه الدوافع في برنامج يانصيب اللقاح، فإن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على تحقيق أهداف التطعيم الخاصة بها.

المراجع

1. المراجع العربية

  • الفنیات السیكولوجیة المستخدمة في إدارة الأزمات أ. د / عادل السعید البنا، مجلة كلیة التربیة بدمنهورـ جامعة الإسكندریة المجلد الأول العدد (١) لسنة 2009م.
  • الاقتصاد السلوكي- تقدير اقتصادي إسلامي، زايد نواف الدويري، أطروحة دكتوراه، جامعة اليرموك، 2021م.
  • أكبر تغيير سلوكي منذ الحرب العالمية الثانية، سعود الرخيص، تقرير يرصد سلوكيات جائحة كورونا في ظل علم السلوك والانحيازات المعرفية، الكويت، روافد للاستشارات والعلاقات العامة، 2021م، ص8-18.
  • مواجهة الأزمات، الدعم النفسي والاجتماعي العقد المقبل، الوضع الحالي للبحث العلمي في مجال الدعم النفسي والاجتماعي، النشرات الإخبارية رقم 3- ورقم 4، 2009م، الصليب الأحمر الدنماركي.

2. المراجع الانجليزية:

  • Behavioral Economics Insights to Covid-19 PandemicFeyza ÖZDİNÇ. Journal of Financial Economics and Banking 20212(2) 11-14.
  • Behavioral Economics in the Epidemiology of the COVID-19 Pandemic: Theory and Simulations. Blas A. Marin-Lopez 1 , David Jimenez-Gomez 1 and José-María Abellán-Perpiñán . Int. J. Environ. Res. International Journal of Environmental Research and Public Health 2022, 19, 9557.
  • Block Seminar on Experimental Economics for Bachelor Students „The Behavioral Economics of COVID-19“ Winter Term 2020/2021.
  • Covid-19 Pandemic and the role of behavioral economics Kumar B, Pradeep Government Arts Science College, Ambalapuzha, Alappuzha, Kerala 6 Munich Personal RePEc Archive. August 2020.
  • The behavioral economics of government responses to COVID-19. Journal of Behavioral Economics for Policy, Vol. 4, COVID-19 Special Issue 3, 11-43, 2020
  • The Contribution of Behavioral Economics in Explaining the Decisional Process Andreea Gradinaru. 21st International Economic Conference 2014, IECS 2014, 16-17 May 2014, Sibiu, Romania. Procedia Economics and Finance 16 ( 2014 ) 417 – 426.
  • The Global Financial Crisis and Behavioral economics. Ian M. McDonald1 ECONOMIC PAPERS, VOL. 28, NO. 3, SEPTEMBER, 2009, 249–254
  • The contribution of behavioral economics to crisis management decision-making, JOHN A. PARNELL AND WILLIAM ‘RICK’ CRANDALL, Journal of Management & Organization (2020), 26, 585–600.

3. المواقع الالكترونية :

Comments are disabled.