عرض وتحليل كتاب “إغاثة الأمة بكشف الغمة”
بقلم الدكتور/ محمد السيد علي حامد
يُعتبر كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة للعلامة المؤرخ تقي الدين المقريزي من أهم كتب التاريخ، فمع صغر حجم الكتاب واكتفائه بتناول التاريخ المتعلق بقضية المجاعات فإن هذا الكتاب يبقى فريدا من نوعه، سواء في منهجه أو في موضوعه، إذ موضوع الكتاب ليس مجرد عرض تاريخ المجاعات – وإن كان هذا الاستقراء ميزة تحسب لهذا الكتاب – لكنه في بيان أسباب هذه المجاعات والظروف التي وقعت فيها من واقع الخبرة التاريخية ومن واقع المعايشة، فقد عايش المقريزي إحدى هذه الأزمات وكانت إحدى أسباب تأليف هذا الكتاب؛ ليقرر بوضوح أن الأزمات الاقتصادية ما هي إلا نتاج السياسات الخاطئة وغياب الإدارة السديدة، وقد كان المقريزي في هذا الكتاب شديد التفاؤل بشأن هذه المجاعات مع شدتها ومع تعرضه لها اعتمادًا على الخبرة التاريخية واعتمادًا على التدبير السليم الذي يُراعي القضاء على أسباب الأزمة والأخذ في المضي على أسس عادلة في ضرب النقود وفي اختيار العمال والرقابة الحازمة، وتعرض هذه الورقة تعريفا مختصرا بكتاب إغاثة الأمة إلى جانب التعريف بمؤلفه وقيمة وأهمية الكتاب.
أولا: التعريف بالمؤلف
هو: تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر الحسيني، العبيدي، المقريزي، مؤرِّخ الديار المصرية عاش بين عامي (766 – 845 هـ = 1365 – 1441 م) وأصله من بعلبكّ، ونسبتُه إلى حارة المقارزة من حارات بعلبكّ في أيامه، وُلِد ونشأ ومات في القاهرة، وولي فيها الحسبة والخطابة والإمامة مرات، واتَّصل بالملك الظاهر برقوق، فدخل دمشق مع ولده الناصر سنة 810 هـ وعُرض عليه قضاؤها فأبى، وعاد إلى مصر.
كان كثير التصانيف وكان يأمل في وضع تاريخ مفصَّل لجميع الحقب المصرية، فوضع في البداية كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” المعروف بخطط المقريزي ليتناول فيه النظم الاجتماعية والسياسية لمصر في مختلف العصور، ويذكر شوارعها، وحاراتها، وملابس أهلها، وعاداتهم، وأخلاقهم، وطرفًا من تاريخ من حكم مصر في هذه الفترة، ثم شفع ذلك بعدة كتب خصصها لدراسة تاريخ مصر، فتناول فيها تاريخ مصر منذ أقدم العصور الإسلامية وهي: “البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب“، ثم كتاب “عقد جواهر الأسفاط في ملوك مصر والفسطاط“، ثم كتاب “اتِّعاظ الحنفا في أخبار الأئمة الفاطميين الخلفا“، ثم كتاب “السلوك في معرفة دول الملوك“.
وللمقريزي عناية بكتب التراجم وسير الأعلام، وله في ذلك كتابان مهمان: “المقفَّى الكبير” في تراجم رجال عصره، ثم “درر العقود الفريدة في تراجم الأعلام المفيدة” وهو معجم محلي لتراجم رجال عصره.
وإلى جانب ذلك فقد كان للمقريزي جملةٌ من الرسائل الصغيرة والصغرى، فالرسائل الصغيرة تناول فيها قضية من القضايا التاريخية بعناية وحرص واستقصاء ما أمكن مثل: “التنازع والتخاصم في ما بين بني أمية وبني هاشم“، ومثل: “شذور العقود في ذكر النقود” الذي أفرده للحديث عن النقود منذ وجودها على وجه الدهر، منتقلا بالحديث إلى النقود الإسلامية ونشأتها وتطورها ثم النقود المصرية، وأوزان النقود، وأعيرتها، وزيوفها، وما حدث فيها من التغيير والتبديل، علي اختلاف عصورها.
ثم الرسائل الصغرى وهي رسائل كان يدبِّجها أثناء ولايته للحسبة وهي رسائل تتعلق بهذه المهنة وما يعرض لها، مثل “المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية” و”الإشارة والإيماء في حل لغز الماء” وغيرها من الكتب التي لم تتعد موضوعًا بذاته أو حادثة بعينها.
وإلى جانب ذلك كتب المقريزي في السيرة النبوية ومحيط بلاط العرب مثل كتابه “إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع“، و”تاريخ بناء الكعبة“، و”الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام” و”الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة“(1).
وتأتي أهمية هذه المؤلفات الصغيرة التي كتبها المقريزي في أنها تُلقي الأضواء على هُويَّة المؤلف وتدلُّ على بعض ملامح عصره الفكرية والاجتماعية والاقتصادية(2).
ثانيا: التعريف بالكتاب:
1. طبعات الكتاب
طُبِع الكتاب أكثرَ من طبعة فأقدم طبعات الكتاب كانت طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بتحقيق كل من محمد مصطفى زيادة وجمال الدين محمد الشيال سنة 1940، ثم طبعته دار ابن الوليد سنة 1956 بتحقيق الدكتور بدر الدين السباعي، ثم طبعته مؤسسة ناصر للثقافة سنة 1980، ثم طبعته الهيئة العامة المصرية للكتاب سنة 1999م، ثم طبعته مؤسسة عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بتحقيق دكتور كرم حلمي فرحات سنة 2007م، وعرف الكتاب طبعات غير ذلك.
2. موضوع الكتاب:
يتناول الكتاب تاريخ المجاعات التي وقعت في مصر منذ أقدم العصور، وقد حاول أن يرجع بذلك إلى ما قبل طوفان سيدنا نوح عليه السلام، ويتدرج إلى أن وصل إلى الأزمة الطاحنة التي حلت بالبلاد زمن سيدنا يوسف الصديق عليه السلام، مرورًا بتاريخ الإسلام حيث حدثت أول أزمة اقتصادية بمصر في سنة 87 هـ في ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان، والذي تشاءم الناس به جراء ذلك؛ لأنه أول غلاء وأول شدَّة نزلت بالمصريين، ثم أخذ يعدِّد الغلوات التي وقعت بمصر إلى عهده، وقد عدَّ المؤلف نحوًا من عشرين أزمةً اقتصاديةً أرجع أسباب معظمها إلى قصور نهر النيل وعدم وفائه وانخفاض مستوى الفيضان، وأرجع القليل منها إلى كثرة الاضطرابات وتعدُّد الفتن وعدم الاستقرار والأمن، بسبب المصادمات بين طوائف الجند والأمراء وما صَحِب ذلك من نهب الأسواق واختلال الأوضاع الاقتصادية، ثم ختم المؤلف بالأزمة التي عاصرها والتي كانت بين سني (796-808ه)، وهي التي ألَّف المصنف الكتاب من أجل التنبيه على أنها ليست أول ولا أشدَّ هذه الأزمات(3)، وليبيِّن أن السبب الرئيس من وراء هذه الأزمة هو سوء التخطيط والإدارة.
وكان غرض المصنف زيادة على هذا الدور التاريخي هو الاستدلال على أن الأزمات الاقتصادية تتكرَّر، وأن هذه الأزمة التي نزلت بمصر ليست هي أول ولا أشدَّ أزمةٍ نزلت بمصر، لينتقل من ذلك إلى إلقاء اللوم على القائمين على إدارة الدولة ممن لا يحسن إدارة الأزمات الاقتصادية وابتكار الحلول التي يمكن أن تقود إلى علاج هذه الأزمات.
والكتاب ينطق عنوانه بأن كاتبه يهدف إلى وضع حلول مناسبة لإخراج الأمة مما وقعت فيه في أزمتها الأخيرة التي حلت بمصر منذ سنة 796- 808م، ولم تكن أسبابها طبيعية كما هو شأن الأزمات السابقة، بل كانت راجعة إلى سوء إدارة اقتصاد الدولة، وعليه قبل كل ذلك يتوجَّب أن يبحث في العلل والأسباب التي آلت بالأمة إلى هذا النحو، وهذا بالفعل ما قدَّمه في كتابه.
3. سبب تأليف الكتاب
أعرب المقريزي عن أهدافه من وراء هذا السفر القيِّم والأسباب الباعثة على جمع هذا الحشد الهائل، والتاريخ الطويل من الأزمات الاقتصادية التي وصلت حدَّ المجاعة، وقد كان هناك هدفان أساسيان وراء تأليف هذا الكتاب:
الهدف الأول: بيان الأسباب الكبرى التي تتسبب في حصول النكبات الاقتصادية فتُنزِل القحطَ والجدبَ بالأمم، ودفعُ النظرة الجبرية التي تميل إلى الربط بين هذه الحوادث وبين الأقدار، حيث كان بعض المعاصرين له يعتقد أن هذه الأزمة “لا يمكن زوالها ولا يكون أبدا عن الخلق انفصالها“(4)، فرغبة في دفع هذه النظرة الجبرية تطرق إلى ذكر الأسباب؛ لأن معرفة الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة ما تساعد على معرفة العلاج المناسب لهذه الظاهرة أو تلك، ولكي يبرهن المؤلف على أن هذه الأزمات الاقتصادية أمرٌ شائعٌ يتكرر ويزول إن أحسنت إدراة الأزمة فيه، فقد عقد فصلا طويلا “في إيراد ما حل بمصر من الغلوات وحكايات يسيرات من أنباء تلك السنوات“(5).
السبب الثاني: البحث عن الحلول الإدارية والاقتصادية لدفع هذه الأزمة وهي في جملتها تعود إلى إصلاح ما وقع من خطأ؛ لأن “الحال في فساد الأمور إنما هو سوء التدبير لا غلاء الأسعار“(6)، وعليه فإن المقريزي يرى أن علاج الأزمة في ردَّ المعاملات إلى ما كانت عليه قبل استبدال الفلوس من الدراهم.
4. أقسام الكتاب:
بدأ المؤلف كتابه بمقدمتين إحداهما في بيان الأسباب الداعية إلى تأليف كتابه، ثم “مقدمة حِكْمية تشتمل على قاعدة كلية“(7) رد فيها على القياس الفاسد الذي التبس بالأوهام، وفساد هذا القياس ناشيء من الضيق بالحالة الحاضرة، وكانت رغبته هي التنبيه على أن هذه الفواجع قد عرفها التاريخ كثيرًا، وأنه ممكن إزالتها إذا أحسن تدبير السياسة الملائمة(8)، ثم نثر سبعة فصول تتفاوت طولًا وقصرًا بحسب موضوعها وطبيعته:
- فصل في إيراد ما حل بمصر من الغلوات وحكايات يسيرة من أنباء تلك السنوات.
- فصل في بيان الأسباب التي التي نشأت عنها هذه المحن التي نحن فيها حتى استمرت طول هذه الأزمان التي دفعنا إليها.
- فصل في أن معاملة مصر ما زالت بالذهب فقط.
- فصل في ذكر أقسام الناس وأصنافهم وبيان جمل من أحوالهم وأوصافهم.
- فصل في ذكر نبذ من أسعار هذا الزمن وإيراد طرف من أخبار هذه المحن.
- فصل فيما يزيل عن العباد هذا الداء ويقوم لمرضى الزمان مقام الدواء.
- فصل في بيان محاسن هذا التدبير.
والكتاب في جُملته يدور حول تاريخ المجاعات وأسباب الأزمة الاقتصادية التي عاصرها المقريزي، وقد حرص المؤلف عند تناول تاريخ المجاعات على تصدير الحادثة ببيان السبب في نزول القحط أو المجاعة، والذي غالبًا كان قصور النيل عن الوفاء بحاجات الأراضي الزراعية فينتشر الجدب ويعم القحط وترتفع الأسعار، ويتعرض في بعض الوقائع إلى الرذائل الأخلاقية التي تصاحب المجاعات والأزمات، ففي بعض الأحيان كان الأمراء وكبار رجالات الدولة يستغلُّون هذه الأزمات التي تنزل على الأمة في رفع الأسعار، كما يتعرض إلى الإجراءات التي كانت تتخذها الدولة في بعض الأحيان لإرغامهم على البيع بسعر عادل(9).
5. أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعرض لها كتاب إغاثة الأمة:
يعزو المقريزي الأزمة التي حصلت في عهده إلى أربعة أسباب رئيسية:
- 5–1 الفساد الإداري المتمثِّل في رشوة الحكام لشراء المناصب: والتعيين عن طريق الالتزام، وتقوم آلية الالتزام على أساس شراء منصب من المناصب بسعر يتم تحديده ليشبع الحاكم نُهمته من المال رغبة في كنزه والاستكثار منه أو في سد العجز في ميزانية الدولة. فلم يكن السلطان يُراعي في هذه الطريقة جدارةَ الملتزم من عدمها ولا كان يلتزم معيار الكفاءة إلى جانب معيار الالتزام، بل تمحض الالتزام لشغل المناصب وارتبط هذا الالتزام بالمزايدة على المناصب، فكان من يبذل المقدار الأعلى هو من يحظى بالمنصب السلطاني، ولم تكن تبعات هذه الطريقة تقف عند الجوانب الإدارية بسبب افتقاد الكفاءة، بل كان هذا النظام في إدارة الدولة يتسبَّب في كوارث اقتصادية وانحرافات اجتماعية إلى جانب هذا الفشل الإداري الصارخ(10).
لقد كان الملتزم عادة ما يستدين أضعافا مضاعفة لتحصيل القدرة المالية على شراء المنصب، فإذا دفع «الملتزم» مبلغًا من المال فإنما يدفعه أملاً في جني أضعافه، وكان يحصل على ذلك عن طريق إلزامات وكُلف على حواشيه وأعوانه، ثم يقوم هؤلاء بدورهم بالسعي نحو استرداد ما بذلوه، فيبسطون أيديَهم في أموال الرعايا ويشرئبون لأخذها بحيث لا يعفُّون ولا يكفُّون، وتزداد البلية إذا دهي هذا الوالي فعُزِل عن عمله فلا يعود إليه إلا بالتزام جديدٍ قيمته أكثر من قيمة الالتزام الأول، فينعدم الاستقرار وتزداد الضرائب والأعباء على عاتق من يتولى هؤلاء أمورهم، وقد اشتهر هذا النظام أيام ولاية الظاهر برقوق، وكان لذلك آثار سيئة، “فلما دُهِي أهل الريف بكثرة المغارم وتنوع المظالم، اختلت أحوالهم وتمزَّقوا كل ممزَّق وجَلَوْا عن أوطانهم، فقلَّت مجابي [ضرائب] البلاد ومتحصَّلها لقلة ما يزرع فيها ولخلو أهلها ورحيلهم لشدة الوطأة من الولاة عليهم”(11). - 5–2 غلاء الأطيان: لم يجد أعوان الأمراء سبيلا أفضل من المال لاستمالة الأمراء، فعمدوا إلى إقطاعات هؤلاء الأمراء ورفعوا بدل الإيجار على الفلاحين، وتكرر ذلك منه أعوامًا عديدة حتى بلغت أجور الفدان عشرة أمثاله في بعض الأحايين، وقد تسبب ذلك في هجرة سكان الريف، فاتسع نطاق الأرض البور، وتهدمت الكثير من القرى، ومات مئات ألوف الفلاحين، ونَدَرَت اليدُ العاملة في الريف، وقلَّت الحيوانات الزراعية، مما زاد في تفاقُم أمر الغلال، وارتفاع الأسعار، وانتشار المجاعات والأوبئة(12).
- 5–3 استبدال العُمْلات النقدية بعملات اصطلاحية: لم يلبث بعض العمال، بعد عام 650هـ، أن سوَّل لأرباب الدولة حبَّ الفائدة، والتمس ضمان ضرب الفلوس لقاء مال يلتزمه، فما أسرع ما أجيب إلى طلبه، وأخذت دور الضرب بالإكثار من الفلوس، وأصبح كل درهم يساوي 24 فلسا بدلا من 48 فلسا. ثم استرسل الحكام في ضرب الفلوس حتى راجت وغلبت على غيرها، وتوالي انهيار قيمتها، وأصبحت الفلوس تحمل قيمة اسمية تزيد كثيرًا على قيمتها الطبيعية كمعدن نحاسي، فأدى الإكثار منها إلى تضخم نقدي، أشبه بالتضخم النقدي الذي نشاهده اليوم عندما تُكثِر الدولة من إصدار الورق النقدي ذي القيمة الاعتبارية، والنقد الاصطلاحي يكتسب قيمته بكمية معينة من السلع فلا يتم إصداره بكثرة إلا مع زيادة مماثلة لقيمته من السلع، فإذا تم اللجوء إلى الإكثار من النقد، مع إبقاء كميات السلع على حالها فإن هذا يؤدي إلى إيجاد قيم اصطناعية لا واقع لها، فمن الطبيعي أن يعاد تقسيم النقود على كميات البضائع القائمة، فترتفع أسعار البضائع أو تهبط القوة الشرائية للنقود(13).
- 5–4 الآفات السماوية: كانت الآفات السماوية من أهم أسباب حصول المجاعات والاضطرابات الاقتصادية، فهي مبدأ الأزمة وبوابة النكبة، ويعتبر قصور النيل، وعدم نزول المطر بالشام والعراق والحجاز، أبرز مظاهر هذه الأزمة، بالإضافة إلى سوء الأحوال الجوية التي تسبَّب في احتراق الغلال، هذا فضلًا عن هجوم أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية والغلال وافتراسها لهذه المحاصيل حد الإفناء. ومع فداحة هذا السبب وسعة انتشار تأثيره، فبوسع الحكومة الحازمة أن تتخلَّص من هذه الأزمات بشيء من الحزم وحسن التدبير، عن طريق استيراد الغلال الناقصة أو الأخذ بيد الحزم على المحتكرين والطوائف التي تستغل الأزمات فتزيدها سوءًا.
6. القيمة العلمية للكتاب
تتجلى أهمية هذا الكتاب فيما يلي:
- 6–1 إن هذا الكتاب ليس كتابًا في التاريخ فقط، وإن كان جلُّه أحداثًا في التاريخ، وليس عرضًا لقضية اقتصادية فقط وإن كان صادقًا على هذا المعنى، ولكنه كتاب في جانب من جوانب التاريخ الاجتماعي تناول فيه صاحبه قضية اقتصادية أحسن شرحها والتفطن لأسبابها، وقد حرص المؤلف على رصد هذه الظاهرة في التاريخ منذ أقدم علم بها إلى عصره.
- 6–2 ويشكِّل هذا الكتاب مسحًا إحصائيًّا فريدًا لتاريخ وأسباب الأزمات الاقتصادية في مصر، قام به المؤلف للتدليل على فرضية افترضها مسبَقًا أو استنتجها بعد الاستقراء والتحليل، وهي أن الفساد الإداري وسوء تدبير الحكام هو السبب الرئيس لما تعانيه المجتمعات من أزمات اقتصادية.
- 6–3 ويعد المقريزي أول مفكر عربي يدرك أثر العنصر النقدي في الحياة الاقتصادية، وأول مؤرخ يرصد العلاقة بين كمية النقود ومستوى الأسعار أو التضخم، فكان بذلك من أوائل من أسهموا في بناء النظرية الكمية التي اشتهرت في القرن السادس عشر، ثم دخل عليها ما دخل من تعديلات على يد فيشر إلى أن استقرت على وضعها الحالي.
- 6–4 كما يعتبر هذا الكتاب نقلة نوعية في طبيعة المؤلفات التاريخية لعهد المؤلف، بسبب اختلاف منهجه عن المألوف فقد تناول مشكلة محددة واستوعبها من جميع أطرافها، ما شكَّل نظرية متكاملة في دراسة المشكلات الاقتصادية خاصة مشكلة القحط والجوع، وهو في هذه المؤلف يجمع بين الإيجاز والعمق والتحليل الاقتصادي الفذ الذي يربط بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في آن واحد، مبينا موقع كل منهما من الآخر من حيث السبب والنتيجة.
- 6–5 هذا إلى جانب أن هذا الكتاب يعتبر بحقٍّ وثيقة تاريخية مهمة من مؤلف معاصر لفترة عصيبة من فترات التاريخ الإسلامي، كانت امتدادًا لتاريخ الأزمات التي سادت مصر من فترة ليست بالبعيدة عن المؤلف().
لهذه الأسباب حاز كتاب “إغاثة الأمة” أهميةً بالغة لما تميَّز به من استيعابٍ وتحليلٍ للأسباب ورصدٍ للنتائج، بالإضافة إلى إشارته إلى الحلول وتناوُله من القضايا ما لم يُسبَق إليه.
(1) للاستزادة عن ترجمة المقريزي يراجع: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت (2/ 21) والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، دار المعرفة بيروت (1/ 79).
(2) مقدمة الكتاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1999م (ص: 20).
(3) الكتاب هيئة (ص: 34).
(4) الكتاب هيئة (ص: 37) وما بعدها.
(5) الكتاب هيئة (ص: 114) وما بعدها.
(6) الكتاب هيئة (ص: 35) وما بعدها.
(7) الكتاب هيئة (ص: 35) وما بعدها.
(8) ينظر: الكتاب هيئة (ص: 46).
(9) الكتاب هيئة (ص: 73).
(10) الكتاب هيئة (ص:74).
(11) الكتاب هيئة (ص:75).
(12) ينظر: مقدمة الكتاب طباعة الهيئة المصرية العامة للكتاب (ص:30).
(13) ينظر: مقدمة تحقيق الدكتور الشيال لكتاب إغاثة الأمة للمقريزي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1940م (ص: و).