العقود الشرعية: عقد الرهن
الأستاذ الدكتور/فياض عبد المنعم
لقد جاءت شريعة الإسلام لتحقق مقاصد وغايات من شأنها أن تعود بالنفع على الإنسان في دينه ودنياه، ومن أهم هذه المقاصد حفظ المال؛ لذا فقد شرعت وسائل لتحقيق هذا المقصد وتلك الغاية، ومن هذه الوسائل ما تسمى بعقود التوثيق، الغاية منها توثيق الدَّيْن وحفظ المال.
ومن أهم صور عقود التوثيق وأكثرها شيوعًا في المبادلات المالية عقد الرهن. و(الرهن) لغة: هو حبس الشيء ولزومه؛ قال اللَّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أي: محبوسة بجزاء عملها. و(الرهن) شرعًا: هو توثيق دَيْن بمالٍ يُحبَس لاستيفاء الدَّيْن فيه إذا تعذر وفاؤه، ويستوفى من هذا الشيء المالي عند تعذر الوفاء بالدَّيْن. والرهن يطلق على العقد، وعلى الشيء المرهون.
ويجوز حبس المرهون عند صاحب الحق (أي: الدائن) أو عند أمين آخر غيره يتفق عليه العاقدان يسمى (العدل)، ويجوز أن يكون الشيء المرهون أكثر من الدَّيْن أو أقل منه، ويصح أن يكون من جنس الدَّيْن أو من غير جنسه.
والرهن مشروع في السفر والحضر بالقرآن الكريم والسُّنَّة والإجماع، وهو جائز في وجود الكاتب وعدمه. أما القرآن، فقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. أما السُّنَّة، فعن عائشة رضي اللَّه عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا، ورهنه درعه من حديد» [متفق عليه]. أما الإجماع، فقد أجمع العلماء على أن الرهن مشروع وجائز استنباطًا من قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ…} [البقرة: 283] أي: في حال الائتمان لا يلزم الرهن.
وأركان الرهن هي: العاقدان (الراهن والمرتهن)، والمرهون، والمرهون به، والصيغة، ويقصد بالراهن: معطي الرهن، أي المالك للشيء المرهون، والمرتهن: آخذ الرهن، والمرهون: هو الشيء المالي المبذول للمرتهن كوثيقة للحق، والمرهون به: هو الدَّيْن، أما الصيغة: فهي كل ما يدل على الرضا في الدلالة على رهن الشيء من الراهن للمرتهن.
ويشترط في المرهون أن يكون مالًا متقومًا، مقدورًا على تسليمه للمرتهن، وأن يكون معلومًا، وأن يتمكن المرتهن من استيفاء الدَّيْن من المرهون، ويكون للمرتهن حق حبس المرهون إلى أن يستوفي دَيْنه ولا يُسلِّمه للراهن إلا بعد سداد كامل الدَّيْن، كما أن للمرتهن حق الأفضلية في الاستيفاء عن سائر الغرماء، وللمرتهن الانتفاع بالمرهون بإذن الراهن، فإذا لم يأذن له الراهن فلا يجوز له ذلك؛ لأنه قبض الرهن للتوثق لا للتملك والانتفاع، ونفقة المرهون تكون على الراهن.
ولأن الرهن حقيقته التوثق؛ فلا يجوز للمرتهن التصرف في المرهون أثناء الرهن إلا بإذن الراهن؛ فيجوز له أن يبيع المرهون ويتحصل على دينه.
وينتهي الرهن بوفاء الدين للمرتهن أو بتسليم المرهون لصاحبه، أو بهلاك المرهون، أو بالوسائل كافة التي تحقق استيفاء الدين أو الإبراء منه.