العقود الشرعية: عقد الوكالة
الأستاذ الدكتور/فياض عبد المنعم
الوكالة حاجة اجتماعية وإنسانية؛ لأن الإنسان قد يعجِز عن قيامه بمصالحه بنفسه، كما أن فيها نوعًا من التعاون على البر، وفيها توسعة على الناس في قضاء حوائجهم ومصالحهم.
والوكالة في (اللغة): الحفظ والتفويض، يقال: وكلت أمري لفلان: أي فوضته إليه. والوكالة في (الشرع): هي تفويض التصرف إلى شخص آخر، في التصرفات المالية أو غيرها مما يقبل التوكيل شرعًا. والتصرفات التي تكون محلًّا للوكالة تشمل: العقد، وفسخه، وأداء الدَّيْن، وقبض الحق، والحوالة، والإبراء من حق، وفي الحج بأن يُوكِّل الإنسانُ من يحج عنه، وكذلك في التبرعات بشتى صورها، وفي العبادة المتعلقة بالأموال كالزكاة.
ولا تصح الوكالة فيما لا يقبل النيابة من الأعمال البدنية، مثل: الطهارة، والصلاة، والصيام، ولا تصح في المعصية؛ كأن يُوكِّل شخصًا غيره لشراء الخمر أو السرقة أو غير ذلك من المحرمات.
والوكالة مشروعة بالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع؛ قال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}، وقوله سبحانه وتعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا…} كما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل معاذًا لليمن لجمع الزكاة، كما أنه وكَّل عمرو بن أمية الضمري رضي اللَّه عنه في نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي اللَّه عنها، ووكَّل حكيم بن حزام في شراء أضحية. كما أجمعت الأمة على جواز الوكالة.
وأركان الوكالة أربعة، وهي: الموكِّل، والوكيل، والموكل فيه، والصيغة الدالة على التوكيل. والوكالة تكون مؤقتة بزمن معين؛ لأن الوكالة تكون بحسب الحاجة. وتصح الوكالة بأجر أو بغير أجر؛ فقد كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يرسل عمَّاله لقبض الصدقات ويجعل لهم أجرًا؛ لأن الوكالة عمل لا يجب على الوكيل القيام به.
والوكالة أنواع؛ فقد تكون عامة، وقد تكون خاصة، فالعامة: تشمل جمع ما تصح فيه الوكالة إلا ما يستثنيه الموكِّل من التصرفات. والخاصة: فمثال ذلك: أن تكون وكالة بالبيع، أو وكالة بالشراء. ولا يجوز للوكيل أن يُوكِّل غيره إلا بإذن الموكِّل له، أو أن يكون التوكيل عامًّا. ولا يجوز للوكيل أن يبيع لنفسه أو غيره مال الموكل به؛ إلا بشرط ثمن سعر السوق أو أكثر، وكذلك في الشراء من نفسه أو غيره.
والوكالة من العقود غير اللازمة عند جمهور الفقهاء؛ فيجوز لكل من الوكيل والموكِّل فسخها، وقد تنتهي الوكالة بعزل الوكيل، أو بموته، أو بانقضاء مدة الوكالة، أو انتهاء الغرض منها…إلخ.
والأصل أن الوكيل أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط ومخالفة أمر الموكِّل. وإذا وقع نزاع بين الموكِّل والوكيل فالقول قول الوكيل في دفع كل اتهام عن نفسه.
وكل هذه الأحكام جاءت لترسيخ الثقة في أمانة الوكيل؛ وبالتالي استقرار المعاملات في المجتمع، واتساع دائرة الوكالة بين الناس؛ وبالتالي يزداد مستوى أداء الأعمال والتصرفات المالية.