مبادئ الحوكمة الشرعية في الفكر الإسلامي

الدكتور/ عبد الناصر حمدان بيومي

تناولنا في مقال سابق حوكمة الشركات ودورها في تحقيق الشفافية والإفصاح ومنع الأزمات المالية، فضلاً عن خلق وتطوير بيئة قانونية واقتصادية ومؤسسية تساعد الشركة على النمو والتطور، وتحقيق الأهداف طويلة الأجل لتعظيم قيمة الشركة، والموازنة بين الصلاحيات التي تتمتع بها إدارة الشركة، وحماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح الآخرين.
وأشرنا إلى أننا سنفرد الحوكمة في تراثنا الفقهي بمقال مستقل، نبين فيه المبادئ الشرعية للحوكمة من منظور الفقه الإسلامي. وإمكانية تفعيل ذلك في ممارسات الشركات المعاصرة، وهو موضوع مقالنا.

أولاً: مفهوم الحوكمة الشرعية:

الحوكمة الشرعية: من المفاهيم الحديثة على الصناعة المالية الإسلامية، وقبل ظهوره كان الحديث عن الرقابة الشرعية، الذي هو أخص بكثير من الحوكمة الشرعية.
ويعد مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) أول من تحدث عن الحوكمة الشرعية بإصدار المعيار العاشر بشأن “المبادئ الإرشادية لنظم الضوابط الشرعية للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية”، في ديسمبر 2009م، وعرف الحوكمة الشرعية، أو نظم الضوابط الشرعية بأنها: “النظام الذي يشير إلى مجموعة من الترتيبات المؤسساتية والتنظيمية التي تتأكد من خلالها مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية أن هنالك إشرافًا شرعيًّا فاعلاً مستقلاً على كل وحدة من الهياكل والإجراءات”. (1)

ثانيًا: مقاصد الحوكمة الشرعية:

تهدف الحوكمة الشرعية لتحقيق مجموعة من المقاصد الشرعية المعتبرة، ومنها:

  1. حفظ المال كمقصد كلي، وتحفيز المجتمع على حسن توظيفه واستثماره.
  2. ضمان عدم مخالفة المؤسسة للشريعة الإسلامية في جميع الأنشطة والعمليات، وذلك أمام أصحاب المصلحة.
  3. ضبط إدارة الشركات والمؤسسات، والحفاظ على حقوق أصحاب المصالح فيها، وضمان عدم تضاربها.
  4. ضمان تحقيق الشفافية والإفصاح والعدل والمساواة على كل المستويات.
  5. الالتزام بأحكام القانون، وضبط تصرفات الأفراد، وتحمل المسئولية، والمساءلة في ضوئها.
  6. القضاء على مفسدات الاستدامة؛ كالغش والخداع والكتمان والتدليس والكذب…
  7. القضاء على كل سبل الفساد المالي والإداري في الشركات والمجتمعات.
  8. رفع معدل النمو الاقتصادي، ودعم اقتصادات الدول.
  9. زيادة الجودة وتطوير الأداء؛ للحفاظ على مصالح جميع الأطراف.
  10. تحقيق النمو المالي والنجاح الإداري.
  11. إعمال قواعد الشريعة ومقاصدها القاضية بأن الغنم بالغرم، وأن الجميع مسئول ومحاسب في الدنيا والآخرة.
  12. درء المفاسد التي سبقت الحوكمة؛ كالأزمات المالية، وإفلاس الشركات الكبرى؛ لغياب الشفافية والإفصاح، والانحراف في استعمال السلطات، أو عدم الفصل بينها.

ثالثًا: مبادئ الحوكمة الشرعية في الفكر الإسلامي:

حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدة مبادئ للحوكمة وهي: المشاركة، وسيادة القانون، والشفافية، والاستجابة، والإجماع والتوافق العام، والمساواة، والفاعلية والكفاءة، والمساءلة، والرؤية الاستراتيجية.
ومما يمكن ذكره من مبادئ للحوكمة في الشريعة الإسلامية، رسخها القرآن الكريم في آياته، وشرحتها السنة النبوية في مصادرها، ما يلي:
المبدأ الأول: الإحسان في كل شيء، الإحسان في المعاملات التجارية والاقتصادية، والإحسان إلى كل أفراد المجتمع؛ كاليتامى بكفالتهم وحفظ أموالهم، والمساكين بعونهم والتخفيف عنهم، وهكذا بقية أصحاب الحاجات. وكذلك للأجير بإعطائه أجره قبل أن يجف عرقه، وللمجتمع بتعليم الجاهل وإرشاد الضال وإنظار المعسر وتوفية الدَّين بحسن القضاء، وإقالة النادم في البيع والشراء، وتأدية حقوق الإسلام الشرعية الواجبة، بل حتى للحيوان بإطعامه والرفق به وعدم تحميله ما لا يطيق…
المبدأ الثاني: المبادئ الأخلاقية، فالأخلاق في الفكر الإسلامي، مبناها على البر والتقوى والإحسان، ومقصودها جلب وإقامة المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والمساوئ والقبائح. والأخلاق في الفكر الإسلامي، تجمع بين القيم والفضائل الأخلاقية، وعلى رأسها أمهات الفضائل الأخلاقية العشرة: الرحمة والتقوى والاستقامة والسماحة والصبر والصدق والعفة والوفاء والعدل والشكر. وبين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية؛ كحفظ كرامة الإنسان، والتيسير ورفع الحرج ودفع المشقة، وعدم التكليف بما لا يطاق… وبين الأحكام والتكاليف الشرعية التي شرعها الله تعالى لتحقيق مصلحة الخلق في الدارين، والتي تغرس في المكلفين روح الوحدة والتعاون والتضامن، وتحض على جميع وجوه البر، وسائر أعمال الخير والمواساة والإحسان إلى جميع الخلق، قال تعالى: ﴿‌لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
المبدأ الثالث: العدل؛ لأن الشرع الإسلامي مبني على العدل ومنع الظلم، ورعاية مصالح الناس جميعًا، واستقرارهم في حياتهم الدنيا، فالأحكام الشرعية في جميع أبواب الفقه الإسلامي، وكذلك الاقتصاد الإسلامي من الملكية العامة والخاصة، والحرية الاقتصادية، والإنتاج والتوزيع والاستهلاك، والتنمية والاستقرار الاقتصادي، والسياسات الاقتصادية، ونحوها مما يتعلق بأبواب الاقتصاد الإسلامي؛ غايتها إقامة العدل بين الناس كافة؛ لأن الدنيا والآخرة لا تصلح إلا بالعدل، كما أن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وبالعدل قامت السموات والأرض…
ويتفرع عن مبدأ العدل: سيادة القانون العادل والمحايد، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49]، وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم… فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (2).
المبدأ الرابع: المشاركة في اتخاذ القرارات، جاء منصوصًا في قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38]، وقوله تعالى: ﴿‌وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، “وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا تُشَاوَرَ قَطُّ إِلا عَزَمَ اللَّهُ لَهُمْ بِالرُّشْدِ وَالَّذِي يَنْفَعُ. وعَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالْمَشُورَةِ إِلا لِمَا يَعْلَمُ فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ”. (3)
المبدأ الخامس: الإفصاح والشفافية: وحرية انتقال المعلومات، وإتاحتها وافية لكل المهتمين بها، قال تعالى: ﴿‌وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42]، فالإفصاح والشفافية وعدم الكتمان من الكليات الشرعية، فالبيان واجب على العلماء وعلى المتبايعين، وفي كل أنواع المبادلات والتجارات. كما أن النفقات العامة وميزانية الدولة والاستهلاك والإنتاج ونحوها مبنية على الإفصاح والشورى وعدم الكتمان… جاء في حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». (4)
المبدأ السادس: الاستجابة وتلبية احتياجات الجميع، وذلك بخدمة جميع المستفيدين دون تهميش لأحد، وهذا الأصل حثت عليه الأحاديث النبوية، فعن مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عز وجل شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ» قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ”. (5)
المبدأ السابع: الإجماع والتوافق العام، برعاية مختلف الآراء والاهتمامات؛ للوصول إلى الأفضل للمجتمع، وهذا أمر معتبر مقصود في الفكر الإسلامي، فآلية اختيار الأئمة والولاة والخلفاء بعد عصر النبوة مبناها على الشورى والتوافق؛ رعاية لمصلحة الأمة؛ كاختيار الخلفاء الراشدين بطرق متعددة.
المبدأ الثامن: المساواة بين أبناء المجتمع، بإتاحة الفرصة للرجل والمرأة، والغني والفقير، والقوي والضعيف على السواء؛ لتطوير أنفسهم وتحقيق آمالهم، فالإسلام لا يفرق بين الناس إلا بالتقوى، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195].
المبدأ التاسع: الفاعلية والكفاءةـ، بالاستخدام الأمثل للموارد، وتولية الأمناء الأقوياء الأكفاء، والفصل بين السلطات، قال تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾، وقال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 55]، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». (6)
المبدأ العاشر: المسئولية والمساءلة، فجميع المسئولين ومتخذي القرار معرضون للمساءلة والمحاسبة من المجتمع وأصحاب المصلحة في الدنيا، كما أنهم موقوفون ومسئولون أمام الله في الآخرة، قال تعالى: ﴿‌وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: 24]، وفي الحديث عن «عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ… وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (7)
المبدأ الحادي عشر: الرؤية الاستراتيجية، والتخطيط العلمي للأمور، وعدم العشوائية من المسئولين وأفراد المجتمع، وقد ضرب القرآن الكريم الأمثلة العملية للخطط الاستراتيجية؛ كخطة نبي الله يوسف للخروج بأهل مصر من الأزمة الزراعية الناجمة عن جفاف النيل، وكذلك التخطيط للقاء العدو، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60]، وتخطيط الإنسان لأبنائه من بعده، كما في الحديث عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللهَ يَرْفَعُكَ يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ». (8)
بقيت الإشارة إلى أنه: بعد بيان أهم مبادئ الحوكمة الشرعية، فإنه يمكننا القول بأن الحوكمة الشرعية تختلف عن الحوكمة الوضعية جملة وتفصيلاً. فالحوكمة الشرعية تجمع بين الحاجات الروحية والحاجات المادية، تجمع بين النظرة الدنيوية والرغبة في الثواب الأخروي، وهذا ما لا وجود له في الحوكمة الوضعية. فضلاً عن التفاوت الكبير في المبادئ والمقاصد والغايات.

(1) المعيار العاشر لمجلس الخدمات المالية الإسلامية-ماليزيا: 2-3.
(2) أخرجه البخاري: 4/175 (3475) كتاب حديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، ومسلم: 5/114 (1688) كتاب الحدود، بَابُ قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ.
(3) تفسير ابن أبي حاتم التميمي الرازي، ت: ٣٢٧هـ، ت: أسعد محمد الطيب، ط3 مصطفى الباز-السعودية ١٤١٩هـ/1999م: 3/801.
(4) أخرجه البخاري: 3/58 (2079) كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، ومسلم: 3/1164 (1532) كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان.
(5) أخرجه أبو داود: 3/135 (2948) كِتَاب الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِمَامُ مِنْ أَمْرِ الرَّعِيَّةِ وَالْحَجَبَةِ عَنْهُ. وصححه الأرنؤوط.
(6) أخرجه مسلم: 6/6 (1825) كِتَاب وَالْإِمَارَةِ، بَابُ كَرَاهَةِ الْإِمَارَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
(7) أخرجه البخاري: 2/5 (893) كتاب الجمعة، بَابُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ، ومسلم: 6/7 (1829) كتاب الإمارة، بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ.
(8) أخرجه البخاري: 7/62 (5354) كتاب النفقات، بَابُ النفقة على الأهل والعيال، ومسلم: 5/71 (1628) كتاب الوصية، بَابُ الوصية بالثلث.

Comments are disabled.