اقتباسات للاقتصاديين غربيين تتوافق مع الاقتصاد الإسلامي
“الإسلام هو نظام الحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معا، وهاتان الوجهتان مترابطتان لا تنفصلان أبدًا. وإن المسلمين لا يقبلون اقتصادًا لا صلة له بالأخلاق والقيم ..بل الاقتصاد لديهم يستمد قوته من وحي القرآن وهو بالضرورة اقتصاد أخلاقي. وهذه الأخلاق تقدر أن تعطي معنى جديدا لمفهوم القيمة وتملأ الفراغ الفكري الذي يوشك أن يظهر من نتيجة آلية التصنيع.”
جاك أوستروي: فيلسوف فرنسي كاتب في الإسلام والتنمية الاقتصادية
يقدم الاقتصاد الغربي الإنتاج والاستهلاك في صدارة أهدافه فيجعلهما غايتين في ذاتهما، بغض النظر عما يترتب على ذلك من أضرار، وفي المقابل يتجسَّد النظام الإسلامي هادفا إلى تحقيق التوازن والإشباع الإنساني وفقا لمنظومة مترابطة ترقى بالأهداف الإنسانية، دون الخضوع إلى شعور الرغبة نحو الإنتاج والاستهلاك ولو بلا هدف.
روجيه جارودي فيلسوف فرنسي (1913- 2012)
النظام المالي التقليدي يضخم الأرصدة المالية ويخفض الإنتاج الحقيقي، حيث يوجه الشركات إلى الكسب من الصفقات المالية وهي بطبيعتها قصيرة الأجل على حساب إنتاج المزيد من السلع الحقيقية ويجعلها لا تهتم ببناء قدرات وأدوات تحقق المزيد من الإنتاج.
يسجل التاريخ الاقتصادي الإسلامي أن مستوى الأجور والدخل الفردي في العراق ومصر كان فوق مستوى الكفاية المعنية وظل ذلك لعدة قرون متصلة مما أدى إلى ارتفاع مستوى الرفاهية الاقتصادية في الحياة.
هل تعلم...
- تحقيق كفاية الأفراد المادية.
- والقضاء على الديون.
- وتزويج المحتاجين للزواج.
- وتخفيف ضريبة الجزية عن غير المسلمين.
- تحقيق فائض في مؤسسة بيت المال يمكن أن يوجه مرة أخرى للحاجات الطارئة أو لمد نطاق المرافق العامة وتحسين جودة الحياة.
يتطلَّب الاقتصاد الإسلامي في نوع المنتجات التي ينتجها وخاصةً في مجال الأطعمة، معيار الحلال الطيِّب، أي: المباح الذي لا تتبعه آثارٌ على البيئة أو الصحة أو العقل، وهو ما يمنح المنتجات الإسلامية طابعًا حضاريًّا، فلا يكفي أن يكون الطعام حلالًا بل يجب كذلك أن يخلو من الأضرار الصحية والبيئية والنفسية والبدنية؛ كآثار المبيدات الضارة، وطرق التغليف والتعبئة، وآليات النقل والحفظ التي تؤثِّر على سلامة المنتج، وذلك أحد دلالات قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168].
يُدرك الاقتصاد الإسلامي قيمة التعليم والتدريب الجيد، باعتبارهما السبيل الأفضل لتأهيل الأفراد لسوق العمل، وكذلك تحقيق الشخصية المتوازنة التي تهدف التنمية الإسلامية إلى إيجادها وتوجه عظيم الاهتمام إليها، لذلك لم يهمل ولا يتجاهل الإسلام التعليم، بل كان يحرص على تزويد البشر به حتى في لحظات الحرب. ونقرأ في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُطلق سراح الأسير الذي يعلم عشرة من المسلمين الكتابة يوم بدر، وكان الشخص يُفادى آنذاك بأربعة آلاف درهم، ما يعني أن الدولة الإسلامية كانت تنفق على الفرد يومئذ 400 درهم، ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة وهذه التكلفة تُعد مبلغًا كبيرًا في هذا الوقت.
يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس خاصية العدل الشامل الذي يظهر في كل قطاعاته وأنشطته وأدواته وسياساته ، ويظهر أثر العدالة في الإنتاج والاستهلاك، حيث يتوجه الإنتاج إلى إنتاج الطيبات من المنافع والخدمات التي تناسب أولويات المجتمع، وتُشبع حاجاته في الوقت نفسه، ويقوم الاستهلاك نفسه على أساس الانتفاع بالطيبات من الرزق دون المحرمات بعيدًا عن الإسراف والتبذير الذي يهدر الموارد ويخل بالاستدامة.
يظهر أثر العدل الشامل في الاقتصاد الإسلامي في مجال التوزيع بكل مستوياته، فيتم توزيع ما بعد الإنتاج على أساس قاعدة العدل من خلال إعطاء كل جزء من عناصر الإنتاج (المنظم – الأرض – العمل – رأس المال) حق مساهمته في الإنتاج حسب مقدار الجهد والمخاطرة، فيعطى كل عنصر ما يستحقه في ضوء العدل، بعيدا عن تقرير فائدة ربوية لا علاقة لها بإنتاج النشاط من ربح أو خسارة، ويقرر إعادة التوزيع من خلال أموال الزكاة، والحقوق المختلفة، وأموال المصالح العامة، وضروب الضرائب التي أقرتها الشريعة الإسلامية في إطار العدل في الأخذ والعطاء.
تحمل قيمة المساواة في الإسلام أبعادا اقتصادية وتنموية بالغة الأثر، كما تتجلى في المساواة في تحقيق الضمان الاجتماعي لكل أفراد المجتمع الإسلامي، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وقد فهم الفاروق عمر ذلك من توجيهات الإسلام ومبادئه، فكفل هذا الضمان لغير المسلمين، فقد روي عنه أنه رأى شيخا فقيرا من أهل الذمة فأرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وأمثاله؛ من مساكين أهل الكتاب، فضع عنهم الجزية وامنحهم عطاء من بيت المال.
تظهر آثار العدالة الشاملة للاقتصاد الإسلامي في جانب الملكية، لذلك تتحرك الملكية في إطار العدل، فلا يجوز اكتساب الأموال من حرام فيقع الظلم على الناس، فيضيع على الناس مورد مهم في غير فائدة، ولا يجوز توجيه الملكيات للإنتاج الضار أو للأعمال غير النافعة، وقاية للموارد من الضياع وضمانا لإشباع الحاجات الأساسية.
فرض الإسلام زكاة الفطر بمقدار معين عن كل فرد من أفراد الأسرة لتقدم إلى الفقراء قبل صلاة العيد، ضمانا لتفرغهم بالاحتفال والابتهاج بمراسم عيد الفطر، ولهذا تعتبر زكاة الفطر من أهم أدوات التمويل الإسلامي ذات الطبيعة الموسمية، لما لها من كفاءة كبيرة في دعم البهجة والسرور من خلال توفير الأقوات الأساسية للفقراء يوم العيد، فهي كما قال ابن عباس رضي الله عنه “طهرة للصائم وطعمة للمساكين”. وفي إجازة بعض الفقراء إخراج زكاة الفطر نقدا توسعة على من أراد استغلال هذه الحصيلة في شراء حاجيات أخرى غير الأكل في يوم العيد.
مبادئ التمويل الإسلامي
يأتي التمويل عادة في صورة مال نقدي يتم تحويله إلى معدات إنتاجية ومشاريع استثمارية وأصول، وبناء على ملكية المال أصلًا، تُحدد ملكية الأصول بين الشركاء بنسبهم المختلفة، ويظهر أثر هذه الملكية فيما لو حصلت خسارة في المشروع، حيث يتحمل كل شريك من الخسارة بحصته في الملكية، حتى لو أدى ذلك إلى فقدانه بعض الأصول، وهو ما لا يكون في حق الشريك عامل المضاربة، فالمضاربة شركة بين رأس المال من جهة والعمل من جهة، فهنا عامل المضاربة يتولى الإدارة ولا يملك من الأصول شيئًا ولذلك يكتفي بخسارة أجره فقط، في حال الخسارة.
يترافق الدور الاجتماعي للتمويل الإسلامي مع الدور الاقتصادي؛ حيث يعطي الاقتصاد الإسلامي الأهمية لتمويل المشاريع ذات الأولوية الاقتصادية؛ كالمشاريع التي تتعلق بإنتاج الحاجات العامة أو السلع الأساسية، ولا يتوجه بالتمويل لمشاريع إنتاج الكماليات إلا بعد ضمان إقامة المشاريع التي تشبع الحاجات العامة، كما يعتبر الاقتصاد الإسلامي توجيه التمويل إلى إنتاج مشاريع الحاجات الوهمية كمشروعات إنتاج المحرمات تبديدا للموارد وإهدارا للطاقات.
لا يقبل الاقتصاد الإسلامي بتحفيز “نمو المديونية” على حساب “نمو الثروة”؛ ولهذا يضع الاقتصاد الإسلامي الحاجة معيارا للاستدانة حينما يتعين القرض كأداة للتمويل، فلا يكون الاقتراض إلا لأجل الحصول على ثمرة مباحة كتنمية الأموال، وتحصل الموازنة بين العنصرين عبر ربط الدين بنشاط اقتصادي حقيقي يتمثل في إنتاج سلع أو خدمات أو منافع، وبهذا يرفض التمويل على أساس الفائدة؛ لأن الفائدة دين لا يقابله نمو في الثروة، لأنه لو فرض أن النشاط لم يقم فإن المدين يرد الدين مع فائدته.
قالوا عن الاقتصاد الإسلامي
لا يقيم الاقتصاد الإسلامي حائلا أمام الربح والمنافسة، ولا يعترض على تحصيل الغنى، بل هو يشجع على ذلك بشرط الالتزام بأخلاقيات الإنصاف في التعاملات والعدل في الأعمال، وبشرط التمسك بمبادئ الرحمة والشفقة، التي تضمن حركة المال إلى أصغر وحدات المجتمع الإسلامي، عن طريق الحصص المخصصة للفقراء، كما تقرر الآيات القرآنية التي توجب على الأغنياء أن يدفعوا حصة سنوية من ممتلكاتهم ليوزعوها على الفقراء المعوزين، وهذه هي الزكاة.
– هوستن سميث من كتابه أديان العالم
يقيم الاقتصاد الإسلامي نموذجه في المجتمع على غرار نموذج الصحة البدنية، فكما أن صحة البدن تتطلب أي يصل الغذاء إلى جميع أجزاء البدن من خلال الدورة الدموية، فإن صحة المجتمع الاقتصادية -كما يراها الإسلام- تتطلب توزيع الأموال والسلع على نحو واسع يشمل جميع طبقات المجتمع، ولهذا نجد القرآن والسنة ينظمان إجراءات مختلفة من شأنها تحطيم حواجز الطبقات الاقتصادية.
-هوستن سميث من كتابه أديان العالم
يُقدر الإسلام تمامًا الأساس المادي للحياة، فما لم تتم تلبية الحاجات الجسدية، لا يمكن للاهتمامات الأسمى والأعلى أن تزدهر. كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ ” [الطبراني، المعجم الأوسط، (8/ 91) رقم (8061) وصححه الضياء].
– هوستن سميث من كتابه أديان العالم.
الاقتصاد الإسلامي يدعم السوق الحرة ويعزز من جانب التبادل ويحمي الملكية الخاصة ولا يتجاهل عنصر الربح، ويشهد تاريخه أنه خلق سوقًا نشطًا في العديد من البلدان المختلفة. يتضمن الاقتصاد الإسلامي عناصر إصلاحية يمكنها أن تحقق إصلاح النظام الرأسمالي إلى اقتصاد سوق حقيقي، بحكم أنه توليفة بين اقتصاد السوق والقيم الأخلاقية أي بين الاقتصاد والأخلاق، إذا فلابد من فتح حوار بناء بين الاقتصاديات المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، الذي تأكدت ريادته بعد أزمة 2008 بسبب ابتعاده عن الربا وقيامه على الربح.
“تمثل مؤلفات العلماء المسلمين حول القضايا الاقتصادية على مدى الخمسة عشر قرنًا الماضية كنزًا للباحثين ومن المؤكد أن هذه المؤلفات تستحق التقدير؛ إن كثيرًا من التحليلات الواردة فيها قد سبقت عصرها، فعلى سبيل المثال، كان لدى بعض العلماء كابن خلدون برنامجٌ طموحٌ يهتم بدراسة العوامل التي تحدد صعود الامبراطوريات الكبرى وسقوطها، وكانت بحوثه متعددة التخصصات تشمل: التاريخ، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والديمغرافيا … إن موضوع الاقتصاد في الإسلام لم يكن موضوع القول الواحد، بل تعزَّزت فيه آراء العلماء المسلمين من خلال حوار فكري استمرَّ على مدار قرون”.
– رودني ويلسون حول التراث الاقتصادي الإسلامي.
يدعو الاقتصاد الإسلامي الإنسان إلى الالتزام بالقيم الروحية والمعاني الأخلاقية حين يقوم بتقرير نظم وضوابط للشؤون الاقتصادية، بدلًا من أن تكون مبنية على أساس المصالح والمنافع فقط، فالمستثمر ومالك الشركة الإنتاجية أو حتى العامل والمقرض أو المقترض لو أن كل هؤلاء جعلوا نصب أعينهم مصالحهم الشخصية فقط، وبقوا في كل حال وفي كل ظرف يتطلعون إلى تحقيق منافعهم الذاتية فسينشأ عن هذا التوجه، ذلك الوضع الأخلاقي الظالم والمحرج، والذي يعاني منه عالم اليوم والناتج عن تطبيق النظام الرأسمالي التقليدي مع العلم أن ممارسة هذا السلوك على صعيد وطني سيؤدي إلى انتهاك المصالح الإنسانية باسم المصالح الفردية”.
– محمد نجاة الله صديقي، مُفكر إسلامي هندي.
التراث الفقهي
يتوقف الأمن الاجتماعي “أو صلاح الدنيا” على الأمن الاقتصادي وكفاية حاجات جيع أفراد المجتمع؛ ولهذا قرر الاقتصاد الإسلامي الزكاة في أموال الأغنياء وجعلها حقًّا دائما للفقراء لا هبةً أو منحةً، لتمثل مع غيرها من النفقات، رافدًا مستمرًّا من العطاء يَحول دون وقوع الأفراد في دائرة الفقر، ويؤدِّي إلى انسجام المجتمع نفسيًّا واستقراره بعيدًا عن الحقد الطبقي والاضطرابات الاجتماعية، وهذا هو صلاح الدنيا الذي تحدث عنه الماوردي وربطه بأمرين: “أَوَّلُهُمَا مَا يَنْتَظِمُ بِهِ أُمُورُ جُمْلَتهَا. وَالثَّانِي: مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا”.
يعزِّز الاقتصاد الإسلامي من قيمة الزراعة لما لها من قيمة مضافة واتصالها بالبركة حتى ضرب بها المثل في البركة، كما في الآية 261 من سورة البقرة التي شبه بها الإنفاق في سبيل الله بالحبة التي جاءت ثمرتها سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة مع إمكانية المضاعفة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى تفضيل الزراعة على غيرها من الحرف والأنشطة “لما فيها من الاستسلام لقضاء الله والتوكل عليه واتصالها بالبركة والبعد عن الشبهة. [الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح (3/ 294).]
يعمل الاقتصاد الإسلامي على تعزيز الثقة بين المتعاملين في شتى الأنشطة الاقتصادية؛ ولهذا أقر أحد أهم أصول الاتفاقيات والتعاملات وهو “بناء العقود على اللزوم”، والذي يعني أن كل طرف من أطراف الاتفاقيات ملزٌم بما تعهد به، ومن تبعاته: أن كل من قَصَّر في التزامه يتحمَّل حجم الضرر المُقابل لهذا التقصير، وبهذا الأصل يضمن الاقتصاد الإسلامي بيئةً آمنة للأنشطة الاقتصادية، يسود فيها استقرار المعاملات وتجنب الأزمات التي تحصل بسبب غياب الأمانة والمسؤولية.
يهتم الاقتصاد الإسلامي بعملية التنمية الشاملة التي تسهل الحصول على مصادر الأرزاق من خلال الإنفاق على المرافق العامة، وتيسير عملية الاستثمار، إيمانًا منه بأن أفضل السبل لتحقيق الثروة يكون عن طريق عمل حقيقي وإنتاج فعلي، لذلك يحرص على وضع السياسات الاقتصادية بالخطط التي تعمل على إيجاد مصادر الدخول، قبل أن يهتم بالسياسات الضريبية، وفي هذا الصدد تظهر وصية الإمام علي رضي الله عنه لعامله على مصر الأشتر النخعي (ت37هـ)، ومما جاء في هذه الرسالة: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً”
عرف الاقتصاد الإسلامي قيمة الاستدامة، قبل أن يظهر مفهوم التنمية المستدامة المعاصر، ليعالج الأزمات المتلاحقة التي تسبب فيها الإفراط في البحث عن سبل تراكم رؤوس الأموال دون النظر إلى أثر ذلك على البيئة والموارد، وفي تطبيقات الفاروق عمر بن الخطاب ما يشهد لذلك، ففي رفضه قسمة أراضي العراق بعد فتحها، إدراك لحقوق الأجيال المقبلة في الثروات، ولهذا رفض أن يقسم الأراضي بين الفاتحين وتركها في يد أهلها حتى تضمن الأجيال اللاحقة نصيبا من الثروة ويؤول إليهم بطريق الإرث وغيره، وقال في ذلك قولته المشهورة «لولا آخر المسلمين، ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها». [أخرجه البخاري (3/ 106) حديث رقم (2334)].
يُنظِّم الاقتصاد الإسلامي عملية الانتفاع بالملكية، ضمن قاعدة العدل، والعدل يشمل اكتساب الأموال من الحلال، ثم إنفاقها في الحلال، وإذا كان الاقتصاد الإسلامي يطلب تداول الأموال، فإنه يضع جملة من المحدِّدات والمعايير ليتميز بها الإنفاق المأذون من غيره، ويتنوع الإنفاق بذلك إلى ما هو محمود وما هو مذموم، فالإنفاق الممدوح، ما يسلم صاحبه من المؤاخذة في الآخرة ولا يُنسب صاحبه إلى البخل أو السفه في الدنيا؛ كإخراج الصدقات والكفارات، والإنفاق على العائلة، والصدقات التطوعية، أما الجانب المذموم فهو ما كان دائرًا في محيط الإسراف أو البخل والشح. [الراغب الأصفهاني في كتابه الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص: 285).]
حديث...
للعنصر الأخلاقي أهمية كبرى في تحقيق التنمية الاقتصادية وعلاج الانحرافات الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، فالأخلاق الفاضلة تدعو للكرم والجود، وأداء الحقوق والواجبات، والتزام المسؤولية الاجتماعية، ما يضمن توفير قطاعات اقتصادية اجتماعية مستدامة، وعلى صعيد آخر فإن الانحرافات الأخلاقية لا تقف بصاحبها عند حد البخل بالواجبات، بل تدعوه إلى سلوك كل سبيل يتحقق منه الربح والكسب وتعظيم الثروة، ولهذا جاء التحذير من الشح في السنة النبوية، فقال صلى الله عليه وسلم:
اتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَمْ. [صحيح مسلم (2578)]
ينظر الاقتصاد الإسلامي لمشكلة الفقر على أنها مشكلة مادية أخلاقية في الوقت نفسه، ومن هنا يحارب ميول الطمع والبخل في النفوس؛ لأنها في نظره من أسباب تفاقم هذه المشكلة، فحين يمسك الغني ما عنده من مال ولا يؤدِّي ما عليه من حقوق تقف الأموال عن الدوران والتداول، ويظل مستوى الفقر على ما هو وقد يزداد وتتسع دائرته وتسود الطبقية؛ ولهذا توجه القرآن إلى نفوس بني آدم يحذِّرهم من الشح والبخل اللذين يضاعفان من حجم الظاهرة، ويربط بين ال فَلاح النفسي والمجتمعي، وبين أداء الحقوق المالية المختلفة، كما يُفهم من قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16]
يشترط الاقتصاد الإسلامي في العامل أن يكون مدرَّبًا كفؤًا، انطلاقًا من توصيته بإتقان العمل، والإتقان في الاقتصاد الإسلامي ليس مجرَّد إخراجٍ للمنتج في شكل جذاب، بل هو عملية شاملة تتضمن إتقانا على مستوى الشكل والكفاءة والفاعلية مع تكرار الاستعمال؛ لأن الإتقان مرتبطٌ بالإحسانِ والإحسانُ قائمٌ على المراقبة وتقوى الله في السر والعلن، ويشمل هذا المبدأ كل أنواع السلع بصرف النظر عن سعرها، وفي هذا ورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»، [صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة (3/ 1548) رقم (1955)].
يهتمُّ الاقتصاد الإسلامي بمجال الصناعة لما له من دور مهمٍّ في تعظيم المنافع واستغلال خيرات البيئة وتطوير البنية التحتية والإنتاجية للمجتمع، وإلى جانب ذلك فإن الصناعة ذات أثرٌ كبير في حماية المجتمعات من الكوارث المتوقَّعة وتعزيز الأمن القومي على شتى المستويات، وقد ربط القرآن الكريم بين بعض الصناعات وبين نتائج مذهلة على مستوى الأمن الاجتماعي، كما ربط بين صناعة الفُلك ونجاة نبي الله نوح عليه السلام من الطوفان {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [المؤمنون: 27]، وبين بناء السد ونجاة بعض المجتمعات من خطر العدوان عليهم من آخرين، كما جاء في خواتيم سورة الكهف
إن الموارد في الاقتصاد الإسلامي أمانات لدى القائمين عليها؛ ولهذا لا يجوز إتلافها في غير فائدة، أو الاستئثار بها دون توجيهها إلى نفع الإنسانية من خلال العمليات الإنتاجية والاجتماعية في حدود الاستطاعة والقدرة، ووفقا لذلك يحق لصاحب الموارد أن يستغلها في إشباع حاجاته متحريًّا الحلال والفضيلة، لكنه مأمور بالإحسان إلى الخلق منهيٌّ عن إتلاف هذه الموارد بإنفاقها سفهًا أو في محرَّمٍ لا يرضاه الشرع {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77]
لا يقبل الاقتصاد الإسلامي أيًا من مظاهر التلاعب في عمليات التداول بيعًا وشراء، بل يعتبر الشفافية والنزاهة والإفصاح شروطًا ضرورية لهذه العمليات، ولهذا تتسم السوق في الاقتصاد الإسلامي بأنها شفافة تتوفر فيها كل البيانات الكافية عن السلع والخدمات، ولا يجوز في نموذج الإسلام للسوق كتمان أي عيب من عيوب السلع والخدمات محل التداول كما يدل عليه الحديث «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له» [أخرجه ابن ماجه (2246) و الحاكم (2152) وصححه].
يُواجه الاقتصاد الإسلامي البطالة بكافة أشكالها، خاصة تلك البطالة الاختيارية، التي تقوم على أساس الركون للراحة وترك السعي، فلا يعرف الإسلام زمنًا يتعطَّل فيه الجهد البشري عن العطاء، بل ذلك داخل في عداد ما يسأل عنه المرء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه» [الترمذي (2417) وقال: حسن صحيح]، ويتأكد طلب السعي لتحقيق التراكم المالي والوفرة الإنتاجية التي تكفي لتحقيق الرفاهية في كل الأوقات بقوله صلى الله عليه وسلم “اغتنم شبابك قبل هرمك” [النسائي (11832) والحاكم (7846) وقال: على شرط الشيخين]، فاغتنام الشباب، كوقت العمل والاجتهاد قد يكون سببا لتأمين احتياجات الشيخوخة التي مرحلة يصعب العمل والسعي فيها.
يعمل الاقتصاد الإسلامي على تحقيق التنمية الاقتصادية وتعظيم الإنتاج، وفلسفة الاقتصاد الإسلامي قائمة على أساس أن الأرض مخلوقة لانتفاع جميع البشر {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وأنها مسخرة أمام الإنتاج وتوليد الثروة، {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، وبما أن كثيرًا من الموارد لا يُتاح الانتفاع بها إلا عن طريق تحويلها من مادتها الأولى إلى مادة مباشرة للإشباع والانتفاع فإن الاقتصاد الإسلامي يتطلب العمل والإنتاج؛ لضمان الهدف الأول وهو تحقيق الانتفاع وصولا إلى حد الكفاية وما فوقها بحسب المستوى السائد في المجتمع.
يرتبط توزيع عوائد الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي بمبدأ تحمُّل المخاطرة، والذي يتفرع عنه توزيع المخاطر بين أطراف النشاط الاقتصادي بحسب احتمالات الربح لأي منهما؛ ولا يجوز بحال من الأحوال أن يحتاط أحد الأطراف لنفسه ليرفع المخاطرة عن نفسه ويحملها للطرف الآخر، وهذا قد دل حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي اعتبر مبدأ عاما للشركات الإسلامية “الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ” [أبو داود (3508) والترمذي (1285) وحسنه] والباء فيه للتسوية أي احتمال المكسب بنسب المشاركة بالمال التي يعبر عنها الضمان.
يعزز الاقتصاد الإسلامي من الربط بين الإنتاج والعبادة، ويتأكد هذا الارتباط بأحاديث من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»، أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع (3/ 1188) حديث رقم (1552)، وهذا الارتباط يساعد على التخصيص الأمثل للموارد المالية؛ لأن المسلم يضع في حسبانه أن عمله في الإنتاج عبادة من العبادات المتعدية النفع شأنها شأن الصدقة، وهذا يدعوه إلى المحافظة على الموارد أولا، ثم توجيه الإنتاج للحاجات التي يكون الانتفاع بها أكبر من غيرها، فيرجح الأنشطة التي توجه لإشباع الضروريات على الأنشطة التي تشبع الكماليات، ويرجح الإنتاج الذي يخدم أكبر قدر من الناس على الإنتاج الذي يخدم أفرادا معدودين بصرف النظر عن مقدار الربح.
الأسس الفكرية
يعد “الجمع بين التأصيل النظري والتطوير العملي” أحد الأسس الفكرية التي يقوم عليها منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، فالعلاقة بين النظرية والتطبيق علاقة تكاملية تتسم بالتفاعل المستمر، وفي هذا الإطار يهتم منتدى البركة بعرض النظرية الاقتصادية الإسلامية وجعلها ثقافة عالمية، ويوظف المنتدى إمكاناته في هذا الصدد من خلال ورش العمل والفعاليات المختلفة التي تتناول قضايا الاقتصاد الإسلامي وفق مناقشات شاملة، تصل إلى عمق هذه القضايا وتخرج بالقرارات والتوصيات التي تُقَوِم النظرية وتعزز وجودها على أرض الواقع.
بُنِي الاقتصاد الإسلامي على مجموعة من القيم الأخلاقية والمعايير الشرعية التي يتميز بها إلى جانب ارتباطه بعملية التنمية الاقتصادية من خلال تأكيده على ضرورة الإنتاج الحقيقي الذي فيه نفع للفرد وللمجتمع.