وكز سلوك الادخار في البنوك الاسلامية
Nudging Saving Behavior in Islamic Banks

بقلم الدكتور/ زايد نواف الدويري
أستاذ مساعد في الاقتصاد والمصارف الإسلامية
مستشار وخبير في الاقتصاد السلوكي

الوكز هو الدفع بخفة، أي دفع وتحفيز وتعزيز سلوكيات الأفراد دون حظر الخيارات أو تغيير الحوافز الاقتصادية، أو هو التغييرات المتعَّمدة في تصميم الخيارات بهدف الوصول إلى نتيجة محددة، وكما عرفه ثالر: فإن الوكز هو أي جانب من جوانب هندسة الاختيار لتغيير سلوك الناس بطريقة يمكن التنبؤ بها، بدون منع أي خيارات أو تغيير كبير على حوافزهم الاقتصادية. لكن ما علاقة مصطلح الوكز بسلوك الادخار؟
إن الادخار أو (تأجيل الإنفاق) عملية سلوكية تنشأ من الرغبة في الادخار وليس من عوامل الجذب والتشجيع الأخرى؛ وتكون على مستوى الأفراد (عارضي وطالبي الأموال)، وعلى مستوى المؤسسات المالية ومستوى الدولة، فعلى مستوى الأفراد طالبي الأموال، فإن أصحاب الدخول الصغيرة يدخرون وأصحاب الدخول الكبيرة لا يدخرون، ما يؤكد أن الادخار غير مرتبط بحجم الدخل إنما بعوامل أخرى وهي الرغبة، ونفس الشيء يقال عن عارضي الأموال بالرغم من عوامل الجذب المصرفية، وعلى مستوى المؤسسات المالية الإسلامية، فإن هذه المؤسسات غير مؤثرة، بل هي متأثرة بالأفراد الذين لديهم الرغبة العفوية بالتعامل معها، وهي مؤسسات لا تسعى إلى صناعة الزبون بل تنتظر الزبون.
والبنوك الإسلامية بما تقوم به من تلقي الأموال وتوظيفها في استثمارات مباحة، فإنها تشجع على الادخار بشكل تلقائي وتقوم ببث الوعي الادخاري من خلال تبصير المجتمع بالاستثمار الحلال، خاصة لمن يحجم عن التعامل بالفائدة مع المصارف الربوية، والبنك الإسلامي أقدر من غيره على جذب المدخرات من خارج الجهاز المصرفي مع مراعاة جانب التوظيف فننتقل من الاكتناز والحبس من دائرة المودِع إلى دائرة البنك، وهنا تتعطَّل الموارد عن التوظيف، من هنا كان على البنوك الإسلامية إحياء الأدوات الاستثمارية بعد جذبها للمدخرات.
ومن أبرز الآليات التي توظفها البنوك الإسلامية لتحفيز وترقية الادخار الفردي في البنوك الإسلامية:

  1. تقديم عائدٍ مجزٍ على المدخرات.
  2. الانتشار الجغرافي بقصد الاقتراب من المدِّخر (تسهيل الخدمات).
  3. تحسين الخدمات المعروضة مع السرعة في الأداء.
  4. الحوافز غير النقدية مثل تمويل ميسَّرٍ لخدمة معينة.
  5. التأثير الأدبي والتربية الادخارية من خلال المزيج التسويقي والترويجي، سواء عبر الإعلانات وسائر وسائل الإعلام الأخرى من نشرات ومجلات.
  6. كسب ولاء وثقة المدَّخر.

كما يمكن للبنك الإسلامي أن يضم في جهازه الإداري وحدةً تهتم بدراسة سلوك العملاء، وعند معرفة غاية العميل من التمويل، يمكن تعديل قراره خاصة إذا كان مآل التمويل الممنوح إغراق المتمولين بالديون؛ لذلك يتمركز دور البنوك الإسلامية فيما يلي:

  1. تعزيز وتحفيز ثقافة الادخار لدى المتعاملين من خلال إحداث تدخلات سلوكية.
  2. معرفة التحيزات والعوامل السلوكية التي تدفع المتعاملين لإنفاق المزيد من الأموال على الجانب الاستهلاكي.
  3. طرح البرامج والمنتجات المصرفية التي تؤمِّن للأفراد أوعية ادخارية كلُّ حَسَبَ مستوى دخله.
  4. الاستفادة من التطبيقات والتجارب الدولية المتعلقة بنشر الوعي الادخاري، مع مراعاة خصوصية البنوك الإسلامية والانضباط بالمعايير الشرعية في طبيعة المنتج ومضمونه وآلية عمله.

ويتضح من رأي الدكتور أحمد النجار رحمه الله، أن المطلوب من المؤسسات المالية والبنوك الإسلامية أن تبحث عن الشيء الذي يحفِّز وينشئ الرغبة من داخل نفس الإنسان، حتى يتغير سلوكه ويتجه نحو الادخار، فالتشجيع نفسه لا يكفي إن لم يصاحبْه رغبه، ويقع على الدولة من خلال خططها أن تسعى وراء هذه الرغبة عبر أدبيات سلوكية وليس قرارات قانونية وتشريعية.
وحتى تكتمل الحلقة فإن قرار الادخار الفردي الناشئ عن الرغبة التي تحدث عنها الدكتور النجار لا بد أن ينجم عن سلوك يلتزم بالشريعة الإسلامية من خلال ما يلي:

  1. وجوب اتِّصاف الإنفاق بالاعتدال، حتى تبقى لدى الفرد فَضْلةٌ من المال ليقوم بادخارها واستثمارها.
  2. وجوب تحقيق التوازن في قضاء الحاجات بين الحاضر والمستقبل، والذي يتطلب مقدارًا من الادخار يؤمِّن التحقيق المتوازن لهذه الحاجات عبر الزمن.
  3. تعدُّد أوجه إنفاق الفرد واتساع دائرته؛ ليشمل إنفاق على نفسه، وعلى من يعول، ويشمل كذلك سائر النفقات واجبة، وعموم الإنفاق في سبيل الله.
    وقد حض الإسلام على الإنفاق إلى حد جعله شرطًا لنيل البر، وكل ذلك يتطلب استثمارًا لإعادة إنتاج الدخل وتنميته من أجل زيادة الإنفاق وذلك يتطلب ادِّخارًا، فكلما زادت مدخرات الفرد زادت أرزاقه المأمولة من الرزّاق، كما أن استمرار الإنفاق من الادخار على أوجه الإنفاق المختلفة وتوسعه عبر الزمن للإنفاق على الذرية، وتحسين مستوى الإنفاق يستلزم ادخارًا يتم استثماره حتى لا يتناقص المال ويذهب أصله.
  4. الادخار الفردي منوطٌ في الاقتصاد الإسلامي بالدخل الذي هو سقف الاستطاعة، ويتحقق بالاعتدال في الإنفاق عبر الزمن، والتوازن والدخل يؤطِّران الحد الأدنى الواجب من الادخار.

والثقافة الاقتصادية الإسلامية الواعية هي التي تضبط السلوك الاقتصادي للإنسان وفق منهج متوازن في الإنفاق، وقدرته على ضبط سلوك الإنسان وقيادته إلى إنفاق متوازن يشبع من خلاله رغباته الاستهلاكية المشروعة، ويدَّخر ما يفيض عن حاجته لوقت الحاجة، وعلى الرغم من ذلك فإن ثقافة الادخار رغم أهميتها لم تنل نصيبها من الانتشار والوعي؛ ولذلك يلزم القيام بحملات توعية شرعية وقانونية واقتصادية واجتماعية، تؤكد ضرورة أن يرشِّد الإنسان سلوكه الاقتصادي فينفق باعتدال وتوازن، ويدَّخر ما يفيض عن حاجته لوقت الحاجة، وهذا يجعل المسؤولية تقع على عاتق البنوك الإسلامية لتحفيز سلوك الادخار، لكن من خلال آليات الوكز السلوكي والضوابط التي تحكم هذا الإطار وتخلق إطارًا مواتيا لتحفيز سلوك الأفراد الادخاري من ناحية اقتصادية شرعية وأبرزها:

  • التوافق مع الشريعة الإسلامية والامتثال لأحكامها: فالمطلوب من البنوك الإسلامية تطويع تدخلاتها وتنبيهاتها ووسائل توعيتها المالية والادخارية لأحكام الشريعة الإسلامية؛ مراعاة لخصوصية البنوك والمالية الإسلامية.
  • التوجُّه الاجتماعي والأخلاقي للبنوك الإسلامية: حيث تعتبر مبادرات البنوك الإسلامية ضعيفةً نوعًا ما مقارنة بالبنوك التقليدية، بالرغم من قيم العدالة والتكافل والإحسان الموجودة في جوهر الشريعة الإسلامية، يقابلها طلبات المتعاملين بالمزيد من هذا الدور في المسؤولية الاجتماعية للبنوك الإسلامية؛ لذا فالمطلوب زيادة التنبيهات القائمة على الحوافز لزيادة البصمة الاجتماعية.
  • حسابات الاستثمار ومخاطرها: وفي هذا الجانب نتذكر التدخل السلوكي والتحيُّز القائم على المحاسبة الذهنية، بأن المستثمرين الأفراد يصنفون محافظهم الاستثمارية كهرم متعدد الطبقات، تمثل كل طبقة حسابًا ذهنيا منفصلاً بأهداف محددة، والمطلوب من البنوك الإسلامية العمل على تأطير حسابات الادخار المعدة للاستثمار بتلك الحسابات الذهنية، والطريق إلى ذلك تقديم البنوك الإسلامية لهذه الحسابات على أنها منتجات آمنة ومريحة وقليلة الخسائر، وذات عائد أعلى، وذلك عبر المزيج التسويقي وعناصره.

انتهاءً، فإن المأمول أن تضع البنوك الإسلامية توظيف الوكز السلوكي ضمن قائمة أولوياتها، في تحفيز المتعاملين خاصةً والأفراد عامةً على الادخار، وعدم الاكتفاء برفع شعار الحلال ومحاربة الفائدة، لكن من خلال إعادة النظر في المنتجات الحالية خاصة الادخارية، وتطوير منتجات جديدة قادرة على استيعاب الحاجات الآنية والمستقبلية لهم، وأن تكون تلك المنتجات ذات أبعاد نفسية تحفز سلوك الادخار لجميع فئات المجتمع، لكن السؤال: هل البنوك الاسلامية قادرة حاليا وبهيكلها الحالي على تحقيق ما سبق في قطاع الادخار عبر سياق الوكز؟ لعلنا نجيب على هذا السؤال في مقالات قادمة.

مراجع

  • الدويري، زايد نوف، الاقتصاد السلوكي تقدير اقتصادي إسلامي، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، 2022.
  • كوشك، أفنان وجالواي، فريد، التأثير المجتمعي بالوكز، تصميم مبادرات مبنية على تجارب الاقتصاد السلوكي، جدة، السعودية، 2020م، ص1-3.
  • أبو الفتوح، نجاح، التفضيل الزمني وقرار الادخار في الاقتصاد الإسلامي، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد 9، 1997م، ص84-85.
  • النجار، أحمد، النظام المالي الإسلامي وتطوير سوق رأس المال، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، المجلد 32، 1983م، ص3-7.
  • Amin، M.، Isa، Z. & Fontaine، R. (2013). Islamic banks: Contrasting the drivers of customer satisfactions on image، trust، and loyalty of Muslim and non-Muslim customers in Malaysia، International Journal of Bank Marketing. 2013، pp. 79-97.
  • Mohamed Wail، A. Aminou Rajae Aboulaich. Nudging- ‘Islamic Banks’ customers: Using Behavioural insights to boost savings، Researches and Applications in Islamic Finance، Vol. 1، No 2، pp. 121-130.

Comments are disabled.